الحرام، وأبوا أن يأذنوا لهم بدخول مكة للاعتمار. وانتهى الأمر إلى ما عرف بعد ذلك (بصلح الحديبية) وهو موضوع الكتاب السابق من سلسلة هذه المعارك الفاصلة في تاريخ الإِسلام، ولابد من اطلاع القارئ عليه قبل قراءة هذا الكتاب .. لأن أحداث صلح الحديبية هي مقدمات هذا الفتح المبين، بل هو الفتح المبين على الحقيقة.
إن صلح الحديبية كان في وضعه الظاهر هوانًا للمسلمين في نظر صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن الرسول ببعد نظره، وصدق تفكيره، وحبه لحقن الدماء، وحرصه على صلة الرحم وبرِّ ذوي القربى في الفريق المعاكم المشاكس من مشركى مكة - قبل مطالب قريش وشروطها: وهي العودة إلى المدينة دون أن يدخل مكة - على أن يرجع في العام القابل للاعتمار - وأن يرد إلى المشركين من يأتيه مسلمًا منهم، ولا يعيدون إليه من يأتيهم مرتدًا من المسلمين. وقد رد - صلى الله عليه وسلم -، وهو في مكانه من الحديبية لم يبرحها بعد إلى المدينة - أبا جندل (ابن سهيل بن عمرو) زعيم وفد قريش إلى مفاوضات صلح الحديبية .. رده إلى أبيه، - وفاءً بالعهد وقد جاءه مسلمًا - يرسف في قيوده، فلطَمه أبوه على أعين صحابة الرسول، وهم يتميزون غيظًا، لأنهم لم يستطيعوا له نصرًا.
ومن هنا - من قسوة شروط قريش في صلح الحديبية، اعترض الصحابة على موافقة الرسول وتوقيعه على وثيقة هذا الصلح الذي بدا أنه هوان لهم. حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"علام نرضى الدنية في ديننا يا رسول الله؟ " وحتى لم يستجب الصحابة لأمر الرسول بالتحلل من العمرة بالتقصير أو الحلق، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها مغمومًا مهمومًا، يشكو إليها موقف الصحابة منه، فأشارت عليه أن يخرج ويدعو حالقه ليحلقه بين أعينهم. وقد فعل، فاستجاب الصحابة نادمين.