للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد حدَّث أبو سفيان نفسه: لما هرب من مكة إلى قيصر -قبل أن يتحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة- قال له قيصر: ممن أنت؟ فأخبره أنه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. فقال له ملك الروم: أنت إذن ابن عم محمد بن عبد الله. إن كنت صادقًا؟ . قال: قلت: نعم، أنا ابن عمه. قال أبو سفيان: فقلت (في نفسي): لا أراني عند ملك الروم وقد هربت من الإسلام، لا أُعرف إلَّا بمحمد! ! فدخلنى الإسلام وعرفت أنّ ما كنت فيه باطلا من الشرك. ولكنا كنا مع قوم أهل عقول باسقة، وأرئ فاضل الناس يعيش في عقولهم ورأيهم، فسلكوا فجا فسلكناه. ولما جعل أهل الشرف والسن يقتحمون عن محمد، وينصرون آلهتهم ويغضبون لآبائهم، فاتبعناهم (١).

قالوا ثم عاد أبو سفيان من بلاد الروم إلى مكة. وعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمه. ولكنه رغم ذلك صمم على أن يقابل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحصل على عفو عام منه لأنه قرر الدخول في الإِسلام. وكان عبد الله بن أبي أمية (٢) صديقًا لأبي سفيان بن الحارث. وكان مثله شديد العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فاتفقا على أن يذهبا معًا ويتحينا الفرص للدخول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عسى أن يعفو عنهما.

وتنفيذًا لهذا العزم خرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية في اتجاه المدينة (وكان أبو سفيان متنكرًا خوف القتل لأنه ممن أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمهم). فلقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنيق العقاب (٣). فحدث أبو سفيان نفسه عن القصة فقال:


(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨١٢.
(٢) هو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي القرشي صهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته عاتكة وأخو أم سلمة أم المؤمنين. أسلم عام الفتح. كان من أشد الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة. وهو الذي قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - مكابرا {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} شهد فتح مكة وحنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسن إسلامه. وأصح الأقوال أنه استشهد في حصار الطائف عام ثمان للهجرة.
(٣) نيق العقاب (بكسر النون) موضع على الطريق الرئيسى بين مكة والمدينة. بعد الأيواء لمن يريد مكة بالطريق القديم (طريق القوافل).

<<  <  ج: ص:  >  >>