إذ لم تمض عدة أشهر على فتح مكة حتى أصبح كل أهلها مسلمين مغتبطين سعداء باعتناقهم الدين الجديد. حتى ألد أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية وأبو سفيان بن حرب وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، واغتبطوا بدخولهم في الإسلام وصاروا سادة وقادة من سادة وقادة المسلمين. وتلك من أميز مميزات سماحة الإِسلام الذي (كما قال الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -) يَجُبُّ ما قبله.
أما هوازن الخصم الأعظم قوة والأشد شراسة في القتال والوحيد العنيد المتبقى على عدائه السافر العارم للإِسلام فلم تسلك مسلك قريش في التراخى في المواجهة، بل سارع قائدها مالك بن عوف وحشد عشرين ألف مقاتل. وقرر أن ينقل المعركة إلى مكة الإِخراج المسلمين منها والحلول في منصب قيادة العرب فيها محل قريش التي استسلمت للمسلمين دونما حرب، فتحركت فخائذ هوازن من أطراف نجد ومناطق الحجاز بجيش لجب في اتجاه مكة فسارع الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - وخرج بجيشه من مكة لملاقاتها فاصطدم بها في وادي حنين، حيث دارت تلك المعركة التاريخية الطاحنة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، والتي ستكون موضوع كتابنا التالي إن شاء الله وهو الكتاب التاسع من (معارك الإِسلام الفاصلة).
"د" أما تخلخل عقيدة الوثنية في نفوس القرشيين فذاك أمر قد بدا واضحًا منذ يوم صلح الحديبية الذي كان فيه أول المتأثرين بعقيدة الإِسلام ومعجبًا بفعاليتها في احتواء المسلمين وضبط سلوكهم وطيب سمعتهم وتحقيق وحدتهم الصحيحة المتكاملة والتعريض بالقرشيين وعقيدتهم الوثنية .. كان أول المتأثرين حليف قريش ورسوله إلى المسلمين عروة بن مسعود الثقفى (١) الذي قال لزعماء قريش في تقريره الذي قدمه لهم عن واقع المسلمين يوم أن زارهم (مندوبًا في الحديبية) .. "يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك، على كسرى وهرقل والنجاشى وإني والله ما رأيت ملكًا قط أطوع
(١) أسلم هذا السيد المفضال، انظر ترجمته في كتابنا (صلح الحديبية).