للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلّا أن يشير إلى أمر فيفعل، وقد حزرت القوم واعلموا: إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما ما يبالون ما يصنع بهم إذا ما منعوا صاحبهم، والله لقد رأيت (نُسيات) معه إن كن ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم (١) ".

وكذلك حويطب بن عبد العزى أحد أعضاء وفد قريش في مفاوضات صلح الحديبية التاريخي أدلى بتصريح يدل على التأثر البالغ بواقع المسلمين والتخلخل في ثقة المشركين بأنفسهم وعقيدتهم واقتناعهم بأن الغلبة في أي صراع قادم إنما ستكون "ولابد للعقيدة الإِسلامية".

فقد قال حويطب بن عبد العزى - وهو ينظر إلى المسلمين في الحديبية من خلال واقعهم المشرف - قال لزميله في وفد قريش، مكرز بن حفص .. "ما رأيت قومًا قط أشد حبًّا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض، أما أني أقول لك .. لا تأخذ من محمد نصفا أبدا بعد هذا اليوم، حتى يدخلها "يعني مكة" عنوة (٢). فقال مكرز: أنا أرى ذلك" (٣).

بل لقد تطور هذا التأثر بواقع المسلمين والإِعجاب بعقيدتهم "عقيدة التوحيد" إلى أن يحدث الانشقاق بين سادات مكة أنفسهم والصلح قائم قبل فتح مكة، فيدخل بعضهم طوعًا واختيارًا في الإِسلام ويذهب إلى المدينة ويلتحق بمعسكر الدين الجديد .. فيحدث بذلك خسفًا شديدًا في الأرضية المتداعية التي يقف عليه بنيان الوثنية في نفوس زعماء مكة قبل دهمائها.

هذا خالد بن الوليد قائد سلاح الفرسان القرشي، وعمرو بن العاص رجل قريش السياسي الذي لا يبارى، وعثمان بن طلحة قائد لواء قريش، كلهم يذهبون بأنفسهم إلى المدينة "قبل أن تقع مكة في قبضة الإِسلام"


(١) صلح الحديبية ص ١٩٤ - ١٩٥.
(٢) العنوة .. أخذ الشيء قوة اقتدارا.
(٣) صلح الحديبية للمؤلف ص ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>