فيعلنون إسلامهم بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولا أدل على تخلخل العقيدة الوثنية وشعور سادات مكة أنفسهم بقرب اضمحلال هذه العقيدة من التصريحات التي أدلى بها بعضهم عند الصفا، على أثر المشادة التي حدثت بين أبي سفيان بن حرب وبين خالد بن الوليد - عندما وقف خالد على الصفا يصارح قريشا بأن دين الإِسلام هو الحق.
فقد وقف خالد - بعد عمرة القضاء وقبل فتح مكة - وقف على الصفا ونادى "بشجاعة خالد المعروفة" .. "يا معشر قريش لقد استبان لكل ذي لب أن محمدًا ليس بساحر، ولا كذاب وأن كلامه من كلام رب العالمين فحق على كل ذي لب أن يتبعه" فغضب لذلك أبو سفيان وهجم على خالد مستنكرًا قوله فحجز بينهما عكرمة بن أبي جهل وخاطب أبا سفيان في لهجة تدل على الشعور بقرب نهاية الوثنية في مكة .. "دعه يا بن حرب فإني أخشى أن لا يأتي العام القادم إلا وقد فعلنا كلنا مثل فعل خالد أو كما قال"(١).
"هـ" أما بقاء قريش وحدها في ميدان مواجهة المسلمين، فهذا أمر كان قائمًا عندما تحرك النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه من المدينة، فكل قبائل الحجاز قد دخلت في الإِسلام تقريبًا، ولم يبق قبيلة لها وزنها الحربى (بعد قريش) سوى قبيلة هوازن ومنها ثقيف، ولكن قريشًا لم تستفد من موقف هوازن، حيث لم تجر معها أي اتصال لإجراء أيِّ تنسيق معها لمواجهة المسلمين. ولهذا تمكنت قوات الإِسلام، من إخضاع الواحدة بعد الأخرى على انفراد، حيث لم يمض على سيطرة المسلمين على مكة نصف شهر حتى اصطدمت قواتهم خارج مكة بعشرين ألفا من قوات هوازن في أحد وحنين، فنزلت بهوازن تلك الهزيمة الساحقة، ودخل سيد هوازن مالك بن عوف نفسه في الإِسلام، ثم دخلت ثقيف، وبذلك انتهت المقاومة الوثنية في جميع مناطق الحجاز.
(١) انظر هذه القصة مطولة في كتابنا السابع من هذه السلسلة (غزوة مؤتة) قصة إسلام خالد وعمرو بن العاص.