للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسئول يقدّر المسئولية) ضرب من الانتحار والتهور، لا يقدم عليه من يضع نتائج المعارك في مقدمة حسابه قبل الإِقدام عليها.

ولذلك استدعى دريد بن الصمة الملك والقائد مالكًا، فلما حضر مالك دار بينهما هذا الحوار الحاد:

دريد: يا مالك إنك تقاتل رجلًا كريمًا (يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وقد أصبحت رئيس قومك وأن هذا اليوم كائن لما بعده من الأيام .. يا مالك ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء أو ثغاء الشاء؟ (١).

مالك: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم.

دريد: ولم؟

مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وولده وماله ونساءه، حتى يقاتل عنهم.

دريد: (بسخرية وحنق) راعى ضأن ماله وللحرب -يعني مالكًا- ثم انقض (٢) بيده ..

ثم قال دريد: وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك رجل إلا بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحتَ في أهلك ومالك، ثم أردف: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة (٣) هوازن إلى نحور الخيل شيئًا. فإذا صنعت ما صنعت فلا تعصنى في هذه الخطة، ارفعهم (أي النساء والأموال والأولاد) إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم وعزهم، ثم الق الصباة (٤) (يعني المسلمين) على متون الخيل، فإن كانت لك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك.


(١) اليعار (بضم الياء) والثغاء (بضم الثاء) معنى لكلمة واحدة، وهو صوت الغنم.
(٢) قال في النهاية في غريب الحديث: أنقض أي صفق بإحدى يديه حتى يسمع لها نقيض، أي صوت.
(٣) قال أبو ذر في شرحه ص ٣٨٥: بيضة هوازن جماعتهم.
(٤) الصباة جمع صابئ، وهو من يخرج من دين إلى دين، وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -: . قد صبأ. وكانت الرب تسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام. فالصباة في كلمة دريد هم المسلمون .. انظر لسان العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>