للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّوا علينا شدة رجل واحد .. وانشمر (١) الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين ثم قال: أين الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول الله. قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس إلا أنه بقى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.

وعن يونس بن بكر، قال: فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي وأحنائه. وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدّت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين يقول: (أين الناس؟ هلموا إليّ أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله). قال: فلا شيء. وركبت الإبل بعضها بعضًا (٢).

وقال ابن حزم يصف الهزيمة: ثم نهض (أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أتى وادي حنين وهو واد حَدور (٣) من أودية تهامة، وهوازن قد كمنت جنبتى الوادي، وذلك في عماية الصبح (٤) فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد فولى المنهزمون لا يلوى أحد على أحد، فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرجعوا (٥).

وقال الطبري في تاريخه -بعد سرد أسانيده عن جابر بن عبد الله عن أبيه-: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارًا، قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضائقه، قد أجمعوا وتهيأوا وأعدوا-، فوالله ما راعنا -ونحن منحطون- إلا الكتائب قد شدَّت علينا


(١) انشمروا: انهزموا.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٢٦.
(٣) الحدور: المكان الذي ينحدر منه.
(٤) عماية الصبح: ظلامه قبل أن يتبين.
(٥) جوامع السيرة ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>