للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدة رجل واحد، وانهزم الناس فانشمروا لا يلوى أحد على أحد، وانحاز رسول الله ذات اليمين، ثم قال: أين الناس؟ هلمّ إليَّ أنا محمد بن عبد الله، فلا شيء احتملت الإِبل بعضها بعضًا، فانطلق الناس (١).

وقال محمد بن سعد في طبقاته: وانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وادي الحنين على بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، وانكشفت الخيل خيل بني سليم مولية وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله (٢).

وقال محمود شيت خطاب (وهو من المؤرخين العسكريين الإِسلاميين المعاصرين): دخلت قوات المسلمين وادي حنين فجرًا، وكان واديا أجوف منحدرًا ينحط فيه الركبان كلما أوغلوا، كأنهم يسيرون إلى هاوية، فلما استقرت أكثر قوات المسلمين في الوادي، رماهم المشركون بوابل من سهامهم، فلم يعرف المسلمون مصدر ذلك الرمي، لأن الظلام كان سائدًا وقتذاك، ولأن مواضع المشركين كانت مخفية تمامًا، فانسحبت مقدمة المسلمين وجرفت أمامها المسلمين (٣) الأخر، فانقلب انسحاب المسلمين إلى هزيمة. ورأى أبو سفيان هزيمة المسلمين فقال: (لا تنتهي هزيمتهم دون البحر). وقال آخرون ممن أسلموا حديثًا مثل قوله، بل إن عثمان بن طلحة الذي قتل أبوه في غزوة أحد حاول اغتيال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف العصيب ليدرك ثأر أبيه من محمد، وترك المشركون مواضعهم للقيام بالمطاردة بعد انسحاب المسلمين، وكان يتقدم هوازن رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، وهو كلما أدرك المسلمين طعن برمحه، وهوازن وثقيف منحدرون وراءه يطعنون. وانتشر الفزع بين المسلمين وازدحمت المسالك بالسابلة، وارتبكت الصفوف واختلطت القبائل ببعضها، وركبت الإبل بعضها بعضًا وهي مولية


(١) الطبري ج ٣ ص ٧٤.
(٢) الطبقات الكبرى ج ١ ص ١٥٠.
(٣) كانت مقدمة المسلمين ألف فارس، وللخبير العسكري أن يتصور كيف تصنع ألف حصان وهي فارة بمن أمامها من المشاة وراكبي الجمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>