للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأهلية، فطاب عروة حيًّا وميتًا.

ولنترك الإِمام الواقدي وأشهر من ألفَّ في مغازى رسول - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا حديث إسلام عروة بن مسعود. قال الواقدي: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف بجرش، يتعلّم عمل الدبابات والمنجنيق، ثم رجع إلى الطائف، بعد أن ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعمل الدبابات والعرّادات وأعد ذلك حتى قذف الله عزَّ وجلَّ في قلبه الإِسلام، فقدم المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، ثم قال: يا رسول الله إيذن لي فآتى قومى فأدعوهم إلى الإِسلام، فوالله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومى بخير قادم، وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم إذن قاتلوك، قال رسول الله، لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم، ثم استأذنه الثانية فأعاد عليه الكلام الأول، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم إذن قاتلوك، قال: يا رسول الله، لو وجدونى نائمًا ما أيقظوني، واستأذنه الثالثة، فقال: إن شئت فاخرج، فخرج إلى الطائف، فسار إليها خمسًا، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دخوله منزله قبل أن يأتي الرّبة (١)، ثم قالوا: السفر قد حصره (٢) فجاءوا منزله فحيّوه تحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة. ثم دعاهم إلى الإسلام، وقال يا قوم: أتتهموننى؟ ألستم تعلمون أننى أوسطكم نسبًا، أكثركم مالًا، وأعزكم نفرًا؟ فما حملني على الإِسلام إلا أنى رأيت أمرًا لا يذهب عنه ذاهب، فاقبلوا نصحى، ولا تستعصونى، فوالله ما قدم وافد على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم، فأتَّهموه واستغشُّوه، وقالوا: قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الرّبة ولم تحْلق رأسك عندها إنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه، وحلم عليهم، فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به، حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفة له فأذن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له: وهب بن جابر -ويقال رماه


(١) يعني: اللات.
(٢) قال في النهاية: حصره: أي منعه عن مقصده.

<<  <  ج: ص:  >  >>