للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان قد اختبر نفسيات أولئك المشركين الثقفيين العتاة الغلاظ القلوب مرتين .. مرة عندما لجأ إليهم أيام اشتداد محنته في مكة بعد وفاة عمه أبي طالب، فأساءت إليه ثقيف بدلًا من أن تستضيفه وتكرمه وتخفف من آلامه، بل وأغرت به السفهاء والعبيد حتى طاردوه في شوارع الطائف ورجموه بالحجارة، الأمر الذي اضطره إلى أن يترك الطائف ليعود إلى مكة حيث الكرب واشتداد المحنة .. ومرة حينما حاصرهم بعد أن تراجعت جيوشهم منهزمة من حنين فقاوموه أشد المقاومة وأبدوا من العداوة الشيء الكثير.

ولذلك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما استأذنه السيد عروة بن مسعود ليذهب إلى قومه ثقيف يدعوهم إلى الإِسلام قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما أصر على الذهاب إليهم-: أنهم إذن قاتلوك، قالها ثلاثًا، ولكن عروة كرر الاستئذان في الذهاب إليهم (مبديًا ثقته بحب قومه له) قائلًا: يا رسول الله لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم، يا رسول الله لو وجدونى نائمًا ما أيقظوني، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - (عندئذ): إن شئت فخرج إلى الطائف، وكان الأمر كما حذره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قتله قومه أولئك الأشرار وهو يدعوهم إلى الإِسلام.

فلم تمض خمسة أيام حتى وصل عروة الطائف، وعندما وصل سيد ثقيف بلده أنكرت ثقيف عليه أمرًا كانوا يعرفونه منه ومن كل قادم من سفر إلى الطائف (ولم يكونوا قد علموا بإسلامه) وهذا الأمر هو أن يبدأ القادم إلى الطائف من سفر بتقديم فروض العبادة والتقديس لصنمهم الأكبر (اللات) .. ففي هذه المرة تجاهل عروة هذا الصنم لأنه كمسلم موحد -لم يعد مكان في نفسه لهذا الصنم، فقد ذهب من فوره إلى منزله، وبعد أن توافد إليه أعيان قومه لاستطلاع حقيقة أمره، حيوه بتحية الشرك، فأنكرها عليهم، ثم دعاهم إلى الإسلام، وهنا كانت نهايته القتل حيث استشهد وهو يؤذن للصلاة في منزله.

وقد كاد يؤدى قتل عروة بن مسعود إلى حرب أهلية طاحنة بين عشائر ثقيف، فقد تحزبت عشائر عروة واستعدوا للقتال كي يأخذوا بثأره، لولا أنه قبل أن يفارق الحياة تصدق بدمه على قاتله حقنًا للدماء وإطفاء لنيران الحرب

<<  <  ج: ص:  >  >>