للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان وصول عروة بن مسعود في أواخر السنة الثامنة الهجرية، فقام بتركيب الأسلحة الثقيلة التي جلبها لقومه من جرش في الأردن، وقد فعل ذلك أداءًا للأمانة التي ائتمنه قومه عليها حين بعثوه إلى الأردن لشراء هذه الأسلحة وتسليمه إياها لقومه المشركين، لم يُغَير من عزمه عن اعتناق الإِسلام، بعد أن قذف الله نور هذا الدين في قلبه.

لذلك (ودون أن يستشير أحدًا) غادر الطائف قاصدًا المدينة ليعلن بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - إسلامه.

وعندما وصل عروة المدينة استقبله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالترحاب، وكان يعرفه (مسبقًا) لأنه قد اجتمع به عندما جاء وسيطًا لقريش يوم الحديبية عندما كانت أزمة الحديبية بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعشيرته على أشدها (١) وكان عروة بن مسعود رغم كونه حليفًا لقريش قد حذّرها من مغبة عنادها حين منعت المسلمين من دخول مكة وقد جاءوا معتمرين لا محاربين، وقد توقع أن كارثة ستنزل بقريش نتيجة بغيها يوم ذاك وتصلفها. ثم فارقها ورجع إلى بلاده الطائف. وقد اعتبر العقلاء تصرف عروة بن مسعود هذا دليلًا على رجاحة عقله وبعد نظره.

وعندما أسلم عروة بن مسعود وشهد شهادة الحق، قرر أن يعود إلى الطائف فيدعو قومه ثقيفًا إلى الإِسلام، وطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن له بذلك، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذَّره بأن قوفه سيقتلونه، فقد قال عروة: يا رسول الله إيذن لي فآتي قومي فأدعوهم إلى الإِسلام، فوالله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم بخير قادم، وما قدم وافد (قط) على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة.

وكان عروة بن مسعود سيدًا مطاعًا محبوبًا بالفعل في قومه لشرف نفسه ودماثة أخلاقه وكرمه، وكان يتوقع أنهم جميعًا سيجيبونه إلى الإِسلام حينما يدعوهم إليه.


(١) انظر تفاصيل مقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن مسعود بالحديبية في كتابنا - (صلح الحديبية).

<<  <  ج: ص:  >  >>