للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكره أن يمشى إليه، فقال عبد ياليل: إنّ هذا لشئ ما كنت أظنُّه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، وما هو إلا عن أمر قد حدث وكان أمرًا سوءًا، ما لم يكن من ناحية محمد. ثم خرج عبد ياليل إلى عمرو فلما رآه رحّب به، فقال عمرو: قد نزل بنا أمر ليست معه هِجرة إنه قد كان من أمر هذا الرجل (يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -) ما قد رأيت وقد أسلمت العرب كلهما، وليست لكم بحربهم طاقة، وإنما نحن في حصننا هذا، ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب، ولا نأمن من أحد منا يخرج شبرًا واحدًا من حصننا هذا، فانظروا في أمركم.

قال عبد ياليل لعمرو: قد والله رأيت ما رأيت، فما استطعت أن أتقدم بالذي تقدمت به، وإن الحزم والرأى الذي في يديك.

قالوا: فدعا زعماء ثقيف إلى مؤتمر عام حضره عامة الثقفيين، فائتمروا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب (١)،

ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فائتمروا بينهم وتم الاتفاق على أن يدخلوا في الإسلام (٢).

وعلى أثر الاتفاق على أن لا نجاة ولا مخرج لثقيف من المأزق التي هي فيه، إلا بالإسلام، قررت ثقيف أن تبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برسول خاص ليفاوضه بشأن دخولها في الإِسلام، فرشحوا لذلك عبد ياليل بن عمرو، وهو يومئذ في منزلة عروة بن مسعود وفي مثل سنه.

وعبد ياليل هذا هو الذي أساء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبلغ الإِساءة عندما جاء - صلى الله عليه وسلم - ملتجئًا إلى ثقيف عندما اشتد عليه أذى قريش بعد وفاة زوجه خديجة وعمه أبي طالب.

وقد اعتذر عبد ياليل لثقيف أن يكون رسولها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن اعتذاره عن خوف من أن ينتقم منه النبي - صلى الله عليه وسلم - لإِساءته تلك .. كلا، فهو يعرف وكل العرب والعجم تعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقم لنفسه من أحد، فمن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أن يقابل الإِساءة بالإِحسان، ولكن اعتذار عبد ياليل لقومه


(١) السرب (بكسر السين): المسلك.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ١٨٣ ومغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٦٣ - ٩٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>