للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب (١) ودان له الناس، ورعبت منه بنو الأصفر في حصونهم، والناس فيه إما راغب في دينه وأما خائف من السيف، فعرض علينا أمورًا شديدة أعظمناها فتركناها عليه، حرّم علينا الزنا، والخمر والربا، وأن نهدم الرّبة. فقالت ثقيف: لا نفعل هذا أبدًا. فقال الوفد: لعمرى قد كرهنا ذلك وأعظمناه، ورأينا أنه لم ينصفنا، فأصلحوا سلاحكم، ورمَّوا حصنكم، وانصبوا العرّادات عليه والمنجنيق، وأدخلوا طعام سنة أو سنتين في حصنكم، لا يحاصركم أكثر من سنتين، واحفروا خندقًا من وراء حصنكم، وعاجلوا ذلك فإن أمره قد ظل لا نأمنه، فمكثوا بذلك يومًا أو يومين، يريدون القتال، ثم أدخل الله تبارك وتعالى في قلوبهم الرعب فقالوا: ما لنا به طاقة، وقد أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه، واكتبوا بينكم كتابًا قبل أن يسير إلينا ويبعث الجيوش.

فلما رأى الوفد أن قد سلموا بالقضية، ورعبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورغبوا في الإسلام، واختاروا الأمن على الخوف، قال الوفد: فإنا قد قاضيناه، وأعطانا ما أحببناه، وشرط لنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس، وأبرّ الناس، وأوصل الناس، وأوفى الناس، وأصدق الناس، وأرحم الناس، وقد تركنا من هدم الربة وأبينا أن نهدمها، وقال: (أبعث من يهدمها)، وهو يبعث من يهدمها. قال: يقول شيخ من ثقيف قد بقى في قلبه شيء من الشرك بعد بقية: فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه، إن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء، فقال عثمان بن العاص: منَّتك نفسك الباطل وغرَّتك الغرور، ومات الرَّبة؟ وما تدرى الرَّبة من عبدها ومن لم يعبدها؟ كما كانت العزَّى، ما تدرى من عبدها ومن لم يعبدها، جاءها خالد بن الوليد وحده فهدمها، وكذلك إساف (٢) ونائلة وهبل (٣)، ومناة


(١) أداخهم أي أذلهم.
(٢) قال الكلبى في كتابه (الأصنام): وكان لهم إساف ونائلة، لما مسخا حجرين وضحا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما، فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام، عبد معها. وكان أحدهما بلصق الكعبة، والآخر في موضع زمزم، فنقلت قريش الذي كان بلصق الكعبة إلى الآخز، فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما.
(٣) هبل (بضم الهاء وفتح الباء) هو (كما جاء في كتاب الأصنام) أعظم أصنام قريش، قال=

<<  <  ج: ص:  >  >>