كانت قدرته على الدقة في رسم الخطط وسرعة تنفيذها، والتي منها -ولعلها أبرعها- خطة الكمائن التي كان مالك دقيقًا في وضعها وتنفيذها إلى أبعد الحدود، كما رأينا كيف لجأ القائد مالك (وهو يعبِّئ جيشه في الوادي) إلى التمويه الحربى حين جعل جيشه يظهر في أعين المسلمين أكبر من حجمه الحقيقي بعدة أضعاف.
إذن فالمسلمون واجهوا يوم حنين أعداء مقاتلين شجعانًا وقادة ممتازين من الدرجة الأولى .. أما شجاعة القائد العام لهوازن شخصيًا، فلا أدل عليها من أنه (بشهادة المؤرخين المسلمين) كان ساعة انهزام عامة هوازن، قد ثبت في الميدان على رأس عشيرته الخاصة (بني نصر) حتى كادت سيوف المسلمين أن تبيدها عن آخرها، ولم ينهزم القائد مالك إلا حين رأى أن لا فائدة من الاستمرار في القتال، ومع ذلك فلم يفرّ من الميدان فرار الجبان الرعديد، بل كان انهزامه أشبه بالانسحاب المنظَّم، فقد رأينا فيما مضى من هذا الكتاب كيف تراجع هذا القائد في هيئة أركان حربه، ووقف في كتبية من فرسانه على تل يوفرّ الحماية لبعض الفارين من الميدان من قومه، وخاصة الضعفة والنساء، وظل ثابتًا على التل في هيئة أركان حربه حتى أيقن أنه إن لم يختف ستحيط به كتيبة الفرسان المطاردة التي يقودها الزبير بن العوام، فلجأ إلى الاختفاء بين الأشجار في وادي اليمانية (نخلة) وواصل ترحاله حتى لحق بحصنه في وادي ليَّة، ثم لحق بثقيف فتحصن معها في الطائف.
إذن ما دام مستوى هوازن القتالى والقيادى ممتاز إلى هذه الدرجة فما هي الأسباب التي أدَّت إلى هزيمتها المدمرة؟
يمكن تلخيص أسباب هزيمة هوازن بعد انتصارها في الأمور الآتية.
أ- غياب العقيدة:
فإذا كان المسلمون أصحاب العقيدة الجديدة (عقيدة التوحيد) يستعذبون الموت في ظلها، ويرون هذا الموت أعزَّ ما يتوق إليه المسلم -وهذا أعظم رافد يمد النفس بالروح المعنوية اللازمة للصبر على القتال حتى الموت- فإن جند هوازن (رغم شجاعتهم) ليس لهم عقيدة يستعذبون الموت في سبيلها، بل ويبحثون عنه ليكونوا شهداء في سبيل الله كما هو شأن المسلمين