للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أَراد المسلمون أَن تكون لهم العير التي لا شوكة لها.

ولكن الله أراد أَن تكون ملحمة لا غنيمة، وأَن تكون موقعة بين الحق والباطل، ليحق الحق ويثبته، ويباطل الباطل ويزهقه، وأَراد أَن يقطع دابر الكافرين، فيُقتل منهم فريق ويؤسر منهم فريق، وتذل كبرياؤهم، وتخضد شوكتهم، وتدول دولتهم، تخفق راية الإِسلام عالية جهارًا نهارًا، عن استحقاق لا مصادفة، وبالجهد والجهاد، لا بالمال ولا بالأَنفال.

نعم أراد الله للفئة المؤمنة أَن تصبح أُمة وأَن تصبح دولة، وأَن يصبح لها سلطان وقوة، وأَراد لها أن تقيس قوتها الحقيقية إلى قوة أَعدائها، فترجح قوتها على قوة أَعدائها. وأَن تعلم أَن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وليس بالمال والخيل والزاد، إِنما هو بمقدار اتصال القلوب بالقوة الكبرى، التي لا تقف لها في الأَرض قوة، وأَن يكون هذا عن تجربة واقعية، لا كلامًا ولا اعتقادًا.

لتتزود الفئة المؤمنة من هذه التجربة الواقعية لمستقبلها كله، ولتوقن أَنها تملك في كل زمان وفي كل مكان أَن تغلب خصومها وأَعداءَها مهما تكن هي من القلة فيكن عدوها من الكثرة. ومهما تكن هي من ضعف القوة المادية فيكن عدوها من الاستعداد والعتاد، وما كان هذا المعنى ليستقر في القلوب كما استقر بالمعركة الفاصلة بين قوة الإِيمان، وقوة الطغيان.

وينظر الناظر اليوم وبعد اليوم ليرى الآماد المتطاولة بين ما أَراده المسلمون لأَنفسهم يومذاك , وما أَراد لهم الله , بين ما حسبه المسلمون خيرًا، وما قدره الله من الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>