للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظر فيرى هذه الآماد المتطاولة، ويعلم كيف يخطئ الناس حين يحسبون أنهم قادرون على أَن يختاروا لأنفسهم الخير، ما لم يوفقهم الله إليه، وحين يتضررون مما يريده الله لهم، وقد يكمن وراءَه الخير الذي لا يخطر لهم ببال ولا بخيال.

فأين ما أرادوه لأنفسهم مما أراده الله لهم؟ ؟ لقد كانت تمضى - لو كانت لهم غير ذات الشوكة - قصة غنيمة .. قصة قوم أغاروا على قافلة تجارة فغنموها (فحسب).

فأَما معركة بدر فقد مضت في التاريخ كله، قصة نصر حاسم، قصة فرقان بين الحق والباطل، قصة انتصار الحق على أعدائه، المدججين بالسلاح، المزودين بكل زاد، وهو في قلة العدد، وضعف في الزاد والراحلة، قصة انتصار القلوب حين تتصل بالله، وحين تتخلص من ضعفها الذاتي، بل قصة انتصار حفنة من القلوب من حولها الكارهون للقتال، ولكنها بيقينها انتصرت على نفسها، وانتصرت على من حولها وخاضت المعركة والكفة راجحة رجحانًا ظاهرًا في جانب الباطل، فقلبت بيقينها الميزان، فإذا الحق راجح غالب.

إلا أن غزوة بدر بملابساتها هذه، لتمضي مثلًا في التاريخ، ألا وإنها لتقرر دستور النصر والهزيمة، وتكشف عن أسباب النصر وأسباب الهزيمة، الأسباب الحقيقية، لا الأسباب الظاهرة المادية، ألا وإنها لكتاب مفتوح تقرؤه الأَجيال في كل زمان وفي كل مكان، لا تتبدل دلالتها ولا تتغير طبيعتها، فهي آية من آيات الله، وسنة من سننه الماضية في خلقه، ما دامت السماوات والأرض (١).


(١) في ظلال القرآن لسيد قطب ج ٦ ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>