نفسها بضرورة عودته دونما اصطدام بجيش المدينة، حيث يعد أي مبرر لهذا الاصطدام بعد نجاة العير التي خرجوا لإنقاذها.
وهذا كان رأى الأَخنس بن شريق الثقفي الذي انشق على جيش مكة في رابغ ورجع بجميع حلفائه من أفراد قبيلة بني زهرة، عندما لم يصغ أبو جهل لنصحه، كما كان هذا الرأي أيضًا، رأى عتبة بن ربيعة وغيره من أشراف مكة الذين قاموا بمحاولة صادقة وهم في بدر لكى يتجنب جيش مكة خوض هذه المعركة، ونادوا علنًا داخل معسكر قريش بأنه من غير الصواب خوض معركة تصطدم فيها الأُسرة الواحدة، دونما داع لها ولا مبرر (١)، ولكنهم غلبوا على أمرهم، حيث تغليت الرعونة على الرزانة والتعقل.
وهذا يعني أن جيش مكة أو أكثره قد خاض هذه المعركة على كره منه، أو غير متحمس لخوضها على الأقل، وهذا في علم الحروب وفلسفة المعارك من أهم الأسباب التي تؤدى إلى الهزائم العاجلة.
٢ - الاعتداءُ .. لقد كانت الحروب من أكره الأشياء إلى النفوس في كل زمان ومكان، ولذا كانت الكريهة اسما من أسمائها، وكان العقلاءُ (في كل عصر) لا يخوضونها إلا لأسباب موجبة قاهرة، لأنهم يعلمون تمام العلم أن الباغى هو المصروع عادة.
ومعركة بدر هذه، كان البغي والعدوان والخيلاءُ والغطرسة باعثها الأول من جانب قادة قريش وإن شئت قل، من جانب أبي جهل السيد المشئوم المطاع.
(١) كان مما قال عتبة بن ربيعة - ناصحًا قريشًا بالعدول عن قتال محمد وصحبه - يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون شيئًا بأن تلقوا محمدًا وأصحابه، والله لأن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، لأنه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته.