للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد خرج جيش مكة وغايته الأساسية الدفاع عن ألف بعير بأحمالها، وإنقاذها من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وهذا وحده (في نظر جيش مكة) مما يسبغ الشرعية على المعركة وينفي عنصر البغي عنها، ويجعل هذا الجيش يخوضها وهو مقتنع بضرورة خوضها. ولكن هذا الجيش لما وصل إلى رابغ وهي تبعد عن مكان المعركة حوالي مائة وخمسة وعشرين ميلا بلغه نبأُ نجاة القافلة، فزال الموجب والمبرر للقتال، ونادى العقلاءُ بعودة الجيش إلى مكة من مكانه في رابغ، كما حاولوا مرة أخرى موادعة محمد - صلى الله عليه وسلم - (وقد تقابلوا معه وجها لوجه) والعودة إلى مكة دونما قتال، ولكن أبا جهل أصر (أمام كلا المحاولتين) على أن تخوض مكة هذه المعركة باغية معتدية، فخاضتها وكانت نتيجة يتوقعها العقلاءُ دائمًا لكل جيش يقاتل بدافع الباغي والعدوان.

٣ - العقيدة، وهي أم أسباب النصر .. لقد خاض المسلمون هذه المعركة وهم على صلة وثيقة بالله سبحانه وتعالى.

فقد خاضها كل واحد منهم وهو على يقين بأنه لا شك فائز بإحدى الحسنيين، إما الموت، وهو الشهادة التي بها يدخل الجنة ويعيش فيها عيشة أشرف وأفضل من عيشة الحياة الدنيا من جميع الوجوه (١) وإما


(١) ولقد عبر عن صدق هذه العقيدة السامية الراسخة التي لا يقف في طريق حاملها شيء، عبر عنها أصدق تعبير، عمير بن الحمام الذي كان واقفًا في الصف يوم بدر والذي قذف بتمرات من يده كان يريد أكلهن، قذف بهن وقال (بخ بخ) أفما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلى هؤلاء ثم أخذ سيفه وغاص في جيش المشركين يقاتل حتى قتل رضي الله عنه، وذلك بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخطاب الذي ألقاه على جيشه قبيل المعركة بقليل، والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم (أي المشركين) اليوم رجل صابرًا محتسبًا، مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>