للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبثاء، حيث صارحه بأنه منافق وأن باعث تخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن الخوف من بني الأصفر كما زعم، ولكنه الرغبة في الكيد للإسلام وتثبيط المسلمين عن الغزو، حيث قال له: ولكنه النفاق، والله لينزلن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيك قرآن يقرأونه، فغضب المنافق الكبير لمقالة ابنه، ثم ضربه بالنعل على وجهه، وكان ابنه به برًا، فصبر الابن المؤمن الصادق وانصرف من مجلس أبيه ولم يكلمه (١).

وازداد المنافق الكبير إياه كفرًا وعنادًا، فاستمر في إرجافه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشكيكه الناس في دين الله وتجسيمه ما سيلاقون في غزوتهم الطويلة الشاقة من مشاق الحر الشديد، وذلك عن سبق إصرار دنئ ورغبة خبيثة في التأثير على المسلمين لعلهم يتأثرون بإرجافه فيعدلوا عن المشاركة في الجهاد، فيصيب التصدع والتفكك الجيش النبوي الذي بدأ يستكمل حشده وتجهيزه استعدادا للتحرك إلى تبوك.

فقد ذكر أصحاب السير والحديث أن الجد بن قيس المنافق هذا وجه نداء إلى قومه بني سلمة وفي مقدمتهم جبار بن صخر (٢)، حثهم فيه على التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الفصل فصل حر شديد، فقال لجبار بن صخر ونفر من بني سلمة، يا بني سلمة لا تنفروا في الحر. قال الواقدي: يقول: لا تخرجوا في الحر زهادة في الجهاد، وشكًا في الحق، وإرجافًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...

ولكن الخبيث فشل في مسعاه، وأنزل الله فيه قرآنا فضحه فيه -كما توقع ابنه المؤمن- قال تعالى مبينا وضع هذا المنافق الكبير وأمثاله: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "التوبة: آية ٨١ - ٨٢".

وفي مقالة المنافق الجد بن قيس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأن بنات الروم: أو


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٩٣.
(٢) هو جبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان الأنصاري ثم الخزرجى، كان من السابقين الأولين في الإسلام، شهد بيعة العقبة وحضر بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>