للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدود، عندما بلغها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وصل بجيشه تبوك، وأنه صار فيما يشبه التحدى لهذه القيادة الرومانية المتغطرسة، يستعرض على حدودها قواته الضاربة البالغة ثلاثين ألفا.

فكيف أحجمت الإمبراطورية الرومانية في الشام عن مواجهة التحدى بتحد مثله، مع أنها أصبحت -بعد انتصارها على الفرس- تعد أقوى قوة عسكرية في العالم كله، كيف ركنت إلى التزام الهدوء، ولم تفكر في مواجهة الجيش النبوي، رغم أنه أقام على حدودها الجنوبية حوالي عشرين يوما يشن الغارات على أطرافها، ويخضع حلفاءها والموالين لها من غير الرومان.

لا شك أنه الرعب قد انتاب قلوب قادة الجيش الروماني، لا سيما بعد التجربة القاسية التي مرت بهم على أيدى جيش الإسلام الصغير في معركة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة، حيث واجهوا الأهوال من هذا الجيش الصغير الذي كانت نسبة قواتهم يوم ذاك سبعين لواحد، ولهذا فضلوا عدم مواجهة الجيش النبوي وظلوا يرقبونه في جزع حتى عاد إلى المدينة مرفوع الرأس منتصرا أعظم انتصار، بعد أن قرر عدم اجتياز حدود الشام، والاكتفاء بتحدى الرومان وإرهابهم، مؤكدًا بهذا التحدى قدرته على حماية الجزيرة العربية من عدوان أي عدو يفكر في الاعتداء عليها.

بل لقد ذكر المؤرخون أن الملك هرقل الذي كان يقيم بحمص، بعث إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتودد إليه، وهو بتبوك، حيث أرسل مبعوثًا خاصًّا برسالة يخبر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسلم، فقد جاء في كتب السيرة، أن الملك هرقل بعد أن فشل (مرة أخرى) في إقناع أركان دولته وهو بحمص، في الدخول في الإسلام لاينهم حتى سكن غضبهم عليه، ثم بعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا يقول فيه: إننى مسلم ولكننى مغلوب على أمرى، فقبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هديّته، ولكنه لم يصدقه فيما زعم من أنه مسلم، وقد نقل المؤرخون عن حامل كتاب هرقل من حمص إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال: جئت تبوك فإذا هو (أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) جالس بين ظهرانى أصحابي محتبيا فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: هو هذا، فأقبلت أمشى حتى جلست

<<  <  ج: ص:  >  >>