للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عسكر عظيم من أنصاره الذين يظهرون الإِسلام ويبطنون الكفر .. خرج بهم على أنهم جزء من الجيش النبوي الزاحف إلى تبوك، ولكن هذا المنافق لم يكد يصل بعسكره مشارف المدينة حتى انفصل بهم راجعا وهدفه إغراء بعض الوحدات من الجيش النبوي بالتمرد والسير على نهجه الخبيث كى تتفكك وحدة الجيش النبوي.

ولم يكتف ابن أُبَيّ بالفعل الخبيث الذي فعل، بل لجأ إلى القول الذي يحمل كل معاني الإرجاف وتوهين العزائم، فأعلن أن رجوعه بأصحابه وانفصاله عن الجيش النبوي لأنه بزعمه لا يريد أن يغامر بأصحابه مع محمد في معركة قال عنها (سلفا): إنها خاسرة لأن المسلمين بزعمه غير قادرين على مواجهة جيوش الإمبراطورية الرومانية. فقد قال عبد الله بن أبي - وهو يعود بأصحابه إلى المدينة -: (أيظن محمد قتال بني الأصفر لعبا كأني بأصحابه غدا مقرنين في الجبال) (١). وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم مقالة هذا المنافق وصنيعه فلم يأبه له ولم يتخذ ضده أي إجراء، بل واصل التحرك إلى تبوك حتى حققت الحملة كل أهدافها.

وبالرغم من أن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي قد رجع بأكثر أصحابه إلى المدينة دون أن يشتركوا في غزوة تبوك، فإن فريقا من هؤلاء المنافقين انخرط في سلك الجيش النبوي وحاول أثناء تحرك الجيش إلى تبوك أن يكون عامل توهين وتفريق وتشكيك بين وحدات هذا الجيش الضخم، إلا أنه فشل فشلا ذريعا، واستمر الجيش في وحدته وتماسكه حتى وصل تبوك وحتى حققت الحملة العظيمة أهدافها وعاد الجيش إلى المدينة رافع الرأس منتصرًا قد أرهب الروم وأدخل الرهب في نفوسهم وطهر (عسكريا) جميع الجيوب المناوئة للإِسلام في الشريط الشمالي للجزيرة العربية.

وفي العودة من تبوك ارتكب الباطنيون المنافقون المندسون في الجيش النبوي أكبر حماقة في تاريخ المتاعب التي كانوا يثيرونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث حاولوا هذه المرة ارتكاب أكبر جريمة في التاريخ وهي اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب جبان ماكر


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٩٥ - ٩٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>