للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: لا يلينى غيرهم. ويقول: أنت والله أحب إلى من الماء على الظماء.

ويقولون: ليتنا نفديك بالأنفس والأولاد والأموال، فلما وقفوا على حفرته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف يلحظهم، ازدحموا على النزول في حفرته وارتفعت الأصوات حتى أصيب أنف داعس وجعل عبادة بن الصامت يذبّهم ويقول: اخفضوا أصواتكم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أصيب أنف داعس فسال الدم، وكان يريد أن ينزل في حفرته، فنحيّ ونزل رجال من قومه، أهل فضل وإسلام، وكان لما رأوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه وحضوره، ومن القيام عليه. فنزل في حفرته ابنه عبد الله (وكان من أفضل شباب الصحابة) وسعد بن عبادة بن الصامت، وأوس بن خولى حتى سوّى عليه، وإنَّ عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأكابر من الأوس والخزرج يدلونه في اللحد، وهم قيام مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وزعم مجمع بن جارية أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه بيديه إليهم، ثم قام على القبر حتى دفن، وعزى ابنه وانصرف. فكان عمرو بن أمية يقول: ما لقى أصحابه هؤلاء المنافقون، إنهم هم الذين كانوا يحثون في القبر التراب ويقولون: يا ليت أنا فديناك بالأنفس وكنَّا قبلك، وهم يحثون التراب على رؤوسهم. فكان الذي يحسن أمره يقول: قوم أهل فقر، وكان يحسن إليهم (١).

وقال بعض أهل الحديث والسير: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما صنع بعبد الله بن أبي ما صنع، إكرامًا لولده عبد الله حيث سأله ذلك، وما سئل شيئًا قط فقال: لا، وأما القميص فألبسه إياه مكافأة له لأنه ألبس العباس يوم بدر قميصًا، ولم يكن العباس يومئذ ثوب، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي تقدر عليه فكساه إياه كما زواه البغوي عن جابر بصيغة، وروى قال: قال ابن عيينة كانت له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد فأحب أن يكافئه. قال: وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كافأ فيما فعل بعبد الله بن أبي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يغنى عنه قميصى وصلاتي من الله، والله إن كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه، وروى أنه أسلم بعد موته ألف من قومه لما رأوا تبرّك بقميص النبي


(١) مغازي الواقدي ١٠٥٧ - ١٠٥٨ - ١٠٥٩ - ١٠٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>