أما أهم حدث تشريعى بعد غزوة تبوك فهو افتراض الله الحج على المسلمين في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، ولم يكن الحج قبل تلك السنة مفروضًا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته يحج مع المشركين، أما بعد الهجرة فلم يحج إلا حجة واحدة هي حجة الإسلام والمسماة بحجة الوداع.
وبعد أن فرض الله الحج على المسلمين في التاسعة الهجرية، لم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك السنة، لأن عناصر من المشركين كانت حتى تلك السنة تحج، لذلك والله أعلم - بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق أميرًا على الحج بالمسلمين، فحج معه ثلاثمائة من المسلمين.
وكان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المشركين عهد، ولما كان تقرر أن تتطهر جزيرة العرب كلها من دنس الشرك ونزلت سورة براءة بذلك، هذه السورة التي حددت فيها أربعون آية العلاقة بين الإسلام والوثنية، حيث أعلن في هذه الآيات أنه لا مكان بعد مدة حددها القرآن - للشرك في جزيرة العرب.
ولما كان الوفاء بالعفود من أخص خصائص الإسلام، فإن القرآن (حين
أمهل المشركين الذين لم يكن لهم عهد، أربعة أشهر ليكون لهم فيها مطلق الحرية في أن يختاروا الدخول في الإسلام أو مغادرة الجزيرة العربية) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تخص بالمشركين الذين لهم عهد إلى مدة - أن يتركوا وشأنهم حتى تتهى مدتهم ماداموا لم يرتكبوا مخالفة تخل بالعهد الذي كان بينهم وبين المسلمين، ثم يطبق عليهم - بعد انتهاء المعاهدة - ما تضمنته آيات الإنذار الموجهة إلى المشركين ككل. وقد كان هذا الأمر صريحًا في صورة براءة التي تضمنت الإنذار فقد قال تعالى:{إلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
وكانت سورة براءة قد نزلت بعد أن فصل أمير الحج أبو بكر من المدينة، ولذلك بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آيات الإنذار لتتلى على المشركين، ابن عمه علي بن أبي طالب، وقد أدرك على أمر الحج أبا بكر بمنطقة العرج قرب الطائف.