للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكر أصحاب الحديث والسير أن أبا بكر لما كان با العرج في السحر سمع رغاء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصوى، فقال: هذه القصوى، فنظر فإذا علي بن أبي طالب عليها. فقال له: استعملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثنى أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، فمضيا الاثنان أبو بكر أمير على الحج وعلى مبعوث خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - لإبلاغ المشركين الإِنذار الذي جاءت به سورة براءة.

ولما كانت الحجة التي حج فيها أبو بكر بالمسلمين أميرًا هي الحجة الأولى المفروضة في الإِسلام فقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمير أبا بكر أن يصلح في الحج ما أفسده المشركون فيخالفهم فيما ابتدعوه في أعمال الحج، فأمر أن يكون وقوفه (يوم الوقوف) بعرفة لا بمزدلفة، وكانت قريش لا تقف في الحج بعرفة وإنما تقف بمزدلفة، كما أمره أن لا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وأمره كذلك أن يدفع بالحجيج من مزدلفة قبل طلوع الشمس.

فخرج أبو بكر بن المدينة حتى قدم مكة - وهو مفرد بالحج - فخطب الناس قبل يوم التروية بيوم بعد الظهر، أي في الوم السابع من ذي الحجة. ولم نجد فيما بين أيدينا من مصادر نصًّا لهذه الخطبة، ولما زاغت الشمس يوم التروية (وهو اليوم الثامن) طاف بالبيت سبعا، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة إلى منى، وصلى بها هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ولم يتحرك إلى عرفات يوم التاسع من ذي الحجة حتى طلعت الشمس على ثبير (١)، وبعد أن ركب من منى انتهى إلى نمرة (٢) وهناك نزل في قبة من شعر فقال فيها، فلما زاغت الشمس ركب راحلته حتى وصل بطن عُرَنة (٣)، وهناك صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم ركب راحلته إلى عرفة، وهناك وقف بالهضاب والمصلى سحابة نهاره، حتى إذا ما غربت الشمس دفع أي خرج بالحجيج، وكان يسير العنق حتى انتهى إلى


(١) تبير (بفتح أوله وكسر ثانيه): جبل يشرف على منى.
(٢) نمرة (بفتح أوله وكسر ثانيه) قال ياقوت: ناحية بعرفة.
(٣) عُرَنة (بضم أوله وفتح ثانيه): واد بحذاء عرفات على طريق السائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>