للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بنو الحارث قوة ضاربة مرهوبة في الجاهلية مشهورة بكثرة انتصاراتها في المعارك التي تخوضها، لأنهم مجتمعون على كلمة واحدة، ولديهم من العقل ما يمنعهم من الاعتداء على الناس ولكن إذا أجبروا على الحرب خاضوها كسبوها. ولذلك سألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ قالوا لم نكن نغلب أحدا. قال: بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم. قالوا كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله أنا كنا نجتمع ولا نفترق، ولا نبدأ أحدًا بظلم. قال صدقتم، وأَمَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين.

قال ابن إسحاق: فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال وفي صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ويذكر رواة الحديث وأصحاب السير، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني الحارث - بعد أن غادر المدينة وفدهم - عمرو بن حزم ليفقههم في الدين السنة ومعالم الإِسلام ويأخذ منهم صدقاتهم. وقد كتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم كتابًا ضمنه نواحى هامة من أوامر الإِسلام ونواهيه وآدابه، وقد كان لهذا الكتاب منزلة كبيرة بين كثير من رجال التشريع المسلمين لما احتوى على كثير من أصول التشريع الإِسلامي، ويطلق علماء الحديث على هذا الكتاب اسم صحيفة عمرو بن حزم، (١) وبعضهم لا يحتج بها لضعف في سند روايتها، والأكثر يحتجون بها، ولأهمية ما جاء في هذه الصحيفة من تعاليم وتوجيهات وآداب فإنا سنوردها هنا كاملة بإذن الله تعالى، فهي:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا بيان من الله ورسوله، يا أيها الذين آمنوا


(١) هو عمرو بن حزم بن يزيد بن لوذان النجارى الخزرجى، يكنى أبو الضحاك، من شباب الصحابة، أول مشاهدة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق. استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة. توفى بالمدينة سنة إحدى وخمسين هجرية، وروى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي وزياد بن نعيم الحضرمي (أسد الغابة ج ٤ ص ٩٨ - ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>