للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرّ ليس بالإيضاع (١))، وكان في مسيره يلبى لم يقطع التلبية. حتى وصل المزدلفة توضأ وضوء الصلاة ثم أمر بالأذان فأذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا أذان كما فعل في عرفات، ثم نام، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت بأذان وإقامة يوم النحر وهو يوم العيد ويوم الحج الأكبر وهو يوم الأذان ببراءة الله من كل مشرك (٢)، ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فاستقبل القبلة وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والذكر حتى أسفر الصبح جدًّا وذلك قبل طلوع الشمس، وهناك سأله عروة بن مضرّس الطائى فقال: (يا رسول الله والله إني جئت من جبلى طئ، أكللت راحلتى وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا تم حجه وقضى تفثه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

كذلك من آثار الجاهلية التي هدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته هذه عادة كان يتبعها المشركون ويعتبرونها من مناسك الحج وهي أنهم كانوا لا يدفعون من المزدلفة حتى تطلع الشمس على ثبير، ويقولون: أشرق تبير كيما نغير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن قريشًا خالفت عهد إبراهيم، ولذلك دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل طلوع الشمس (٣)، وعندما ركب - صلى الله عليه وسلم - ووقف موقفه أعلن أن مزدلفة كلها موقف (٤).

وأثناء تحركه - صلى الله عليه وسلم - إلى منى أمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار (سبع حُصيَّات فقط) فالتقط له ابن عباس سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو


(١) الإيضاع: الإسراع بالسير.
(٢) زاد المعاد ص ٤٣٢.
(٣) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١١٠٧.
(٤) زاد المعاد ج ١ ص ٤٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>