للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطيب نفس منه، وإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، إني قد تركت فيكم ما لا تضلون بعده، كتاب الله، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم. قال: اللهم اشهد. وفي هذه الخطبة قال - صلى الله عليه وسلم -: خذوا عنى مناسككم لعلى لا أحج بعد عامي هذا، وأنزل المهاجرين والأنصار منازلهم، وقال: لا يجنى جان إلا على نفسه، وقال: اعبدوا ربكم وصلوا وصوموا شهرم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم .. وقال - صلى الله عليه وسلم -: واعلموا أن الصدور لا تغل (١)، إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، وفي رواية أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: قد تركتم فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم مسئولون عنى؟ فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، ثم قال بإصبعه السبابة يشير إلى السماء يرفعها ويكبها (٢) ثلاثًا: اللهم اشهد، وودع حينئذ الناس، فقالوا: حجة الوداع (٣).

وبعد أن انتهى من خطبته هذه التي هي (بحق) قواعد الدستور الإسلامي العام توجه إلى المنحر، ونحر بيده ثلاثًا وستين بدنة، وكان ينحرها قائمة معقولة يدها اليسرى. ثم أمسك وأمر عليًّا أن ينحر ما بقى من المائة. ثم أمر عليًّا أن يتصدق بجلالها ولحومها وجلودها على المساكين، وأمره أن لا يُعطى الجزار في جزارتها شيئًا منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا، وقال من شاء قطع. رواه البخاري.

وفي منى وضع - صلى الله عليه وسلم - قاعدة للتيسير على الناس في أداء المناسك، بعيدة عن التزمت والتحجر. فلا يأتيه سائل يسأله إلا يسر عليه وقال له: لا


(١) أغل يغل "من الأغلال": خان .. وغل يغل "من الغل" إذا صار ذا ضفن وغش وحقد.
(٢) كب الشيء نكسه.
(٣) انظر مغازي الواقدي ج ٣ ص ١١١١ وما بعدها وزاد المعاد ج ١ ص ٤٧٥ وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٢٥٠ وإمتاع الأسماع ص ٥٢٣ وتاريخ الخميس ص ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>