مكان إلى آخر بسهولة ويسر وسرعة وبأَقل تكاليف إدارية، ولكنهم كانوا متفرقين، بأْسهم بينهم شديد، لهذا كانت خبرتهم الحربية وشجاعتهم الفطرية تذهب عبثًا في الغارات والمناوشات المحلية بين القبائل المختلفة وحتى بين القبيلة الواحدة:
وأَحيانًا على بكر أَخينا ... إذا ما لم نجد إلا أَخانا
فلما جاء الإِسلام وحد عقيدتهم ونظم صفوفهم وغرس فيهم روح الضبط والطاعة وطهّر نفوسهم ونقّى أَرواحهم وأَشاع فيهم انسجامًا فكريًا. فأَصبحت قوتهم المبعثرة وجهودهم المضاعة تعمل بنظام دقيق وضبط متين بقيادة واحدة لهدف واحد، وأَصبح المؤمنون في مشارق الأَرض ومغاربها إخوة يتحابون بنور الله ويهتدون بهديه وهم أُمة واحدة تحيتها السلام وغايتها السلام ودينها الإِسلام.
وكانت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد بعثه حتى هجرته توحيدًا من أَجل الجهاد، وكانت حياته بالمدينة بعد هجرته إليها حتى التحاقه بالرفيق الأَعلى جهادًا من أجل التوحيد.
واستطاع الرسول القائد في حياته توحيد شبه الجزيرة العربية كلها تحت لواءِ الإِسلام واستطاع أصحابه من بعده بعد سنين قليلة نشر سلطانهم في المشرق والمغرب.
- ٣ -
لقد انتصر العرب المسلمون على العرب في أَيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما انتصر العرب المسلمون على الغساسنة والمناذرة من العرب وعلى الفرس والروم من بعده، ولم يكن انتصارهم لأَنهم عرب وكفى، بل لأَنهم