على مثلها إذا ما غامر بالهجوم على المدنية، ولا سيما أن حال هذا الجيش ليس بأحسن من حال جيش المدينة من ناحية الإنهاك والتعب.
إن شبح الهزيمة المرعبة التي أنزلها الجيش المدني (على صغره) بالجيش المكي (على ضخامته) لا يزال ماثلًا أمام عين أبي سفيان القائد وهو يعلم علم اليقين أن الرعب والخوف من المسلمين لا يزالان يملأن قلوب جند المشركين بالرغم من النصر التعبوي المفاجئ غير المتوقع الذي أعطته لهم غلطة رماة المسلمين، بعد تلك الهزيمة التي أنزلها المسلمون بهم والتي ما كانت تنتهي حتى مكة لولا غلطة الرماة غفر الله لهم.
ولهذا كان أبو سفيان على ما يشبه اليقين بأنه لو غامر بمهاجمة المدينة فإن نتيجة هذه المغامرة لن تكون إلا الهزيمة الساحقة، لأن الجيش المدني سيتصدى للمشركين وسيضربهم داخل المدينة ضربة قد تكون القاضية على سمعة قريش حتى النهاية.
وهكذا فإن أبا سفيان لم يصرف النظر عن مهاجمة المدينة فحسب بل انسحب بطريقة تشبه الفرار، حيث اجتاز بجيشه الضخم الثقيل أكثر من أربعين ميلًا في يوم واحد وكأنه خاف (إن هو تباطأ في انسحابه، أو عسكر في مكان قريب من المدينة) أن يجمع المسلمون هؤلاء شتاتهم ويجبروه على خوض معركة قد يكون النصر فيها حليف هؤلاء المسلمين (الذين بالرغم من انتكاسهم في معركة أُحد) قد أوجدوا في نفوس جند مكة عقد خوف مستعصية، للضراوة المفزعة التي لمسوها منهم في المرحلة الأولى من المعركة، عندما أبادوا فصيلة كاملة من حملة لواء المشركين، ثم أنزلوا بهم الهزيمة الساحقة (وبطريقة مذهلة) في أول القتال.
وفعلا، فإن ما كان قد قدره أبو سفيان وخشي منه قد حدث، فبعد