للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أظهر الرسول القائد (ساعة انتكاسة الجيش الإسلامي في أُحد) شجاعة منقطعة النظير بلغت إلى حد الكمال، وأظهر من الحكمة في القيادة والحنكة في التصرف في تلك الساعات الدقيقة الحرجة ما مكنه من حماية جيشه الصغير من ضياع وتدمير محققين.

فقد وجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه - بعد حركة التفاف خالد على جنده - منعزلًا تمامًا في مقر قيادته حيث تمزقت صفوف المسلمين تمزقًا شديدًا، وتفرق من حوله عامة جندة فأصبح وحدة (تقريبًا) عرضه لهجمات المشركين الضارية، فكانت صدمة عنيفة جديرة بأن تنهار لها أعصاب أعاظم القواد (وخاصة في ذلك العصر الذي يعتمد فيه القائد على رماح جنده وسيوفهم فحسب).

ولكن الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - صمد أمام هذه النازلة، وسيطر على أعصابه فثبت (ثبوت الرواسي) أمام تيارات تلك العاصفة المخيفة التي تبعثر لها جنده على ساحة الهزيمة، لا يدرون ماذا يصنعون وإلى أين يتجهون، لا سيما بعد أن سرت بينهم إشاعة مقتل نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فوقف - صلى الله عليه وسلم - على مرتفع (رابط الجأش ثابت الجنان) ونادى بأعلى صوته (هلموا إلى أنا رسول الله). فكان لصيحته تلك أكبر الأثر في إعادة الروح المعنوية إلى نفوس أصحابه الذين سمعوا صوته الحبيب، فما إن علموا بمكانه حتى توافدوا إليه وأخذوا في تنظيم صفوفهم من جديد، وانتشر بين عامة الجيش الإسلامي نبأ سلامة نبيهم القائد فتراجعت فلولهم وأخذوا يتحلقون حول قائدهم ويناضلون المشركين في شجاعة واستبسال، حتى تغلبوا على جند مكة، إذ حالوا بينه وبين تحقيق الهدف الذي جاءوا من أجله والذي

<<  <  ج: ص:  >  >>