قال في ظلال القرآن: فخرجوا من الجحور وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش، وانتفخت أوداجهم بالعظمة ونفشوا بعد الانزواء، وادعوا في غير حياء ما شاء لهم الإدّعاء من البلاء في القتل والفضل في الأعمال والشجاعة والاستبسال.
وهذا النموذج من الناس لا ينقطع في جيل ولا في قبيل، فهو موجود دائمًا، وهو شجاع فصيح بارز، حيثما كان هناك أمن ورخاء.
وهو جبان صامت منزو، حيثما كان هناك شدة وخوف، وهو شحيح بخيل على الخير وأهل الخير لا ينالهم منه إلا سلاطة اللسان أهـ.
ويتحدث القرآن كيف كان الفزع والفشل مسيطرًا على قلوب المنافقين ومزيلًا لرشدهم وصوابهم - حتى بعد انصراف جيوش الأحزاب إلى درجة أنهم كانوا يعتقدون أن هذه الجيوش لا تزال في معسكراتها حول المدينة، بالرغم من أنها قد انسحبت نهائيًا.
وكيف أن هؤلاء المنافقين المحسوبين على المسلمين بالرغم من تسللهم من صفوف الجيش ساعة الشدة والروع، وهروبهم من الميدان وبعدهم عن خطر القتال، كانوا لشدة جبنهم يتمنون أنهم من أعراب البادية وأن لا علاقة تربطهم بالمدينة، التي كانت الهدف الأول للغزو، وكيف أنهم كانوا يسألون في فزع وقلق (كما يسأل الجبان الرعديد الذي يحسب كل شيء تحرك هو ضده) عن أخبار نتيجة القتال الدائر بين المسلمين والأحزاب، فقال تعالى: