فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلَّكم زمانه، فلا تُسْبَقُنَّ إليه يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبى الذرارى والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاصر بنى قريظة، قال هؤلاء الفتية -وكانوا شبابًا أحداثًا- .. يا بني قريظة، والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان، قالوا .. ليس به، وقالوا (أي الشباب) .. بلى والله، إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.
وهكذا فإن اليهود بالرغم من استيقانهم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبي مرسل، قد شرقوا بالإسلام وصمموا -منذ اللحظة الأولى- على مقاومته والعمل على شل حركته حسدًا وبغيًا.
وأنا أخالف أولئك الرجال من كتابنا الذين يقولون في بعض مؤلفاتهم إن اليهود رحَّبوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسنوا استقباله وألقوا إليه بالمودة وتقربوا منه باعتباره عدوًا للوثنية وحاملا لدين هو ودين موسى من معين واحد.
فهذا الزعم ليس له في مصادر التاريخ أي شيء يسنده، فلم يثبت أن هؤلاء اليهود قاموا نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ وصوله المدينة، بأي شيء يمكن تسميته حفاوة أو مودة أو تكريمًا.
بل الثابت في أسفار التاريخ (بالنسد الصحيح) أن هؤلاء اليهود قد نزل بهم من الغم -لوصول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب- أمر عظيم كادت له أن تذهب نفوسهم، فقد قابلوا نزول النبي أرض المدينة بالامتعاض الشديد وأعلنوا كرههم له وانطووا على بغضه وأضمروا الكيد