فضرب بنو قريظة بذلك أعلى رقم قياسي في دنيا الغدر والخيانة، فأعطوا الدليل (مرة أخرى) عن خبث معدنهم، وعلى اللؤم والنذالة والخسة المتأصلة في نفوسهم والسابحة في كيانهم، سبح الدم في سرايينهم، وعلى أن العهود والمواثيق (عندهم) لا قيمة لها ولا احترام، إلا عندما يكون في الإلتزام بها وتنفيذها مصلحة لهم.
وذكرنا في كتابنا (غزوة الأحزاب) الفصل الثالث ص ١٨٧ وما بعدها -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إقامة للحجة ومحاولة لإصلاح ما أفسده اليهود- أرسل وفدًا إليهم ليذكرهم بالعهد ويطالبهم بالوفاء به والقيام بتنفيذ التزاماته، وذكرنا أن هذا الوفد وصل (فعلًا) إلى ديار بني قريظة برئاسة حليفهم سيد الأوس سعد بن معاذ، فذكرهم ونصحهم وحذرهم مغبة الإصرار على السير في طريق الغدر والخيانة ونبههم (بصدق) إلى ما قد يترتب على ذلك من نتائج وخيمة قد يكون فيها إبادتهم جميعًا.
وذكرنا أن هؤلاء اليهود قد ردوا هذا الوفد ردًّا قبيحًا وأعلنوا في (صفاقة ووقاحة) بأنهم لن يتراجعوا عن موقف الخيانة والغدر الذي أعلنوه، وأنهم قد أصبحوا حربا على المسلمين، وأنهم لا يعرفون محمدًا ولم يعد بينهم وبينه أي عهد أو حلف.
وذكرنا أنهم بدأوا بالفعل في الاستعداد للهجوم على المسلمين من الخلف حسب الخطة المتفق عليها مع الغزاة، وأنهم بدأوا، يمدون الغزاة بالمؤن (١) كدليل عملي على انضمامهم إليهم ضد مواطنيهم وحلفائهم المسلمين.
(١) انظر تفصيل مصادرة المسلمين لعشرين جملا محملة بالمؤن أرسلها بنو قريظة للأحزاب في كتابنا (غزوة الأحزاب) الفصل الثالث ص ٢٢٣ الطبعة الفائتة.