وكان التذكير والوعظ في صالحهم. أما إذا لم يكن في ذلك فائدة لهم، فإنهم من يسخر بالمثل ويهزأ بالقيم.
فهاهم -وقبل أن يصل إليهم القائد الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدقائق معلودات يشتمون ويسبون ويهددون ويتوعدون، ظانّين أنهم مانعتهم حصونهم ولكنهم -وبعد دقائق معدودات مما فاهوا به من فاحش القول- إذا بهم يرون القائد الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (الذي سلكوا كل درب من دروب الغدر والخيانة والنكث للقضاء عليه وعلى أمته) قد أحاطتهم كتائبه المظفرة من كل جانب، فلجأوا إلى المكر والخديعة، واندفعوا يذكرون القائد المنتصر عليهم بما يمتاز به من حلم وعلم في عبارات كلها مدح وإطراء وتودد طمعًا في التأثير عليه ليعفو عنهم.
ولكن هؤلاء اليهود الذين وقفوا (ساعتئذ) موقف الواعظ الوديع المستكين البرئ نسوا (أو قل تناسوا) أنهم قد ضربوا بكل القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية عرض الحائط، وداسوا العهود والمواثيق بأرجلهم في خسة ونذالة عندما رأوا جيوش الأحزاب الجرارة تحيط بالقلة المسلمة إحاطة البحر الهائج بالجزيرة الصغيرة من كل جانب. فأعلنوا الترحيب بهذه الجيوش الغازية الباغية وأعلنوا الإنضمام إليها ضد المسلمين الذين تربطهم بهم رابطة حلف عسكرى متين، هي معاهدة الدفاع المشترك.
نعم تناسى هؤلاء اليهود أنهم -عندما جاءهم الوفد النبوي في تلك الساعات الحاسمة- يطلب منهم القيام بالتزاماتهم العسكرية مع المسلمين ضد الغزاة، كما تلزمهم بذلك نصوص معاهدة الدفاع المشترك بينهم وبين المسلمين- تناسبوا، أنهم لم يكتفوا (في تلك