وهكذا تكون أُولى مكاسب صلح الحديبية السياسية - بل أهمُّها - اعتراف قريش رسميًّا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أصبحوا أُمّة لها كيانها بل دولة لها خطرها.
وقد جاء هذا الاعتراف مجسَّدًا في وثيقة معاهدة هذا الصلح التي تضمنت اثنى عشر بندًا من بينها البند الذي ينص على عقد هدنة بين المسلمين وقريش بلدة عشر سنوات.
والهدنة لا تعقد إلا بين فئتين متكافئتين- عسكريًا وسياسيًا على الأَقل.
والتكافؤ عسكريًا ودوليًا بين المسلمين وقريش، ظلَّت قريش ترفض الاعتراف به طيلة خمس عشرة سنة حتى وقَّعت على الاعتراف به رسميًّا (مرغمة) في معاهدة الحديبية.
فكأَنَّ النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بنجاحه في عقد هذا الصلح التاريخي مع قريش قد انتزع منها هذا الاعتراف انتزاعًا، الأمر الذي ما كانت قريش لترغب فيه أو تتوقع حدوثه لولا صَبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجَلَده - وتحلِّيه بضبط النفس وقدرته الفذة على المناورة باتباعه إزاءَ قريش في قضية الحديبية سياسة اللين في غير ضعف، والشدة في غير عنف .. بينما ركب سادات قريش رؤوسهم في هذه القضية، فاتبعوا إزاءَ المسلمين - سياسة العناد والمكابرة والشدة والعنف والتهديد والوعيد وأعلنوا أَنهم سيشنون حربًا كاملة على المسلمين في الحديبية وأَن يرجعوا من حيث أَتوا دونما قيد أَو شرط، وأن قريشًا لن تسمح لهم بدخول مكة في أي وقت وتحت أيِّ ظرف. . ثم تراجعت بل وتخاذلت وأَرسلت بوفدها إلى الحديبية ليوقِّع وثيقة هذا الصلح الذي ظنت قريش أَنه