ولهذا فإنه لم يكد يستقر بهم المقام في (خيبر) ويشعروا بأنهم على شيء من القوة والمنعة حتى شرعوا في تحويل خيبر إلى قاعدة رئيسية للعدوان والتآمر على المسلمين.
وكان من أخطر نتائج هذا التآمر (غزوة الأحزاب الرهيبة) التي تعرض لها النبي وأصحابه في المدينة، وعانوا من محنها وأهوالها ما لم يعانوا مثله في أية مرحلة من مراحل صراعهم مع أعداء الإسلام كما فصلناه في كتابينا (غزوة بني قريظة وغزوة الأحزاب).
- ٤ -
لقد كانت هذه الغزوة الرهيبة (القرشية الغطفانية في مظهرها واليهودية في جوهرها) بمثابة درس قاس وعاه المسلمون، واتضح لهم على ضوئه أن العنصر اليهودى، خبيث كالسرطان، لا يفيد معه أي علاج غير الاستئصال، وأنك إن لم تستأصله وتجتثه بسرعة اجتثَّ الحياة واستأصلها من جسدك.
واتضح للقيادة الإسلامية في المدينة على أثر هذا الدرس القاسى الذي استفادته من غزوة الأحزاب الرهيبة، أن مقابلة غدر اليهود وخيانتهم وتآمرهم ونكثهم باللين والتسامح بقصد إصلاحهم وترويض نفوسهم الشريرة، وإعطائهم الفرصة ليعودوا إلى جادة الصواب ويتبعوا الحق الذي عرفوه فجحدوه، إنما هو بمثابة مسكنات، لا تجدى في القضاء على هذا السرطان (الوجود اليهودى) وإنما تمنحه الفرصة ليغتال الحياة والعافية (ببطء) في الجسد الذي يكون فيه.
- ٥ -
وعلى أساس هذه النظرة الواقعية الجديدة التي أوجدتها (لدى القيادة الإسلامية في المدينة) كوارث وبلايا حملة الأحزاب الباغية، التي كادت تعصف بالكيان الإِسلامي كله وتقتلعه من الجذور، والتي جاءت من خيبر قبل أن تجئ من مكة وصحارى نجد. وعلى أساس هذه النظرة عدل النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - عن سياسة اللين التي كان ينتهجها إزاء تصرفات هذا العنصر المخرب الهدام.