هؤلاء اليهود لن يكفوا عن السعي -بكل الوسائل- للقضاء على المسلمين مهما بلغ المسلمون في التسامح والعفو.
لذلك صار من البدهي - بل من المحتم على المسلمين والحال هذه - أن تكون خطوتهم التالية (بعد تصفية الوجود اليهودى في يثرب) غزو اليهود في خيبر لهدم سلطانهم، وذلك كعمل حربى وقائى لا بد من القيام به، لضرب قواعد العدوان ونسف أوكار الكيد والتآمر، والتي إن لم يضربها المسلمون ويدمِّروها سيظل كيانهم معرضا للخطر الدائم في أية لحظة من قبل هذه القواعد اليهودية التي نسجت في أوكارها بخيبر خيوط مشروع حرب الأحزاب العدوانية الشاملة ضد المسلمين، والتي لا يستبعد أن يحوك اليهود في ظلماتها، (إذا ما تركوا وشأنهم أحرارًا) مؤامرة حرب أحزاب شاملة ثانية ضد المسلمين قد تكون أعظم وأخطر من حرب الأحزاب الأولى (١).
- ٨ -
وعلى ضوء التقييم الصحيح للأحداث وربط الأسباب بالمسببات وعلى ضوء التحليل الدقيق لبواعث عدوان الأحزاب المخيف على المسلمين، اتضح للقيادة العليا في المدينة أن قوات الأحزاب الوثنية التي تمكن المسلمون (بأعجوبة) من دحرها، وقوات بني قريظة التي أنزل المسلمون بها ذلك العقاب الصارم الرادع .. اتضح للمسلمين أن كل هذه القوات لا تمثل في الواقع إلا ذنب الأفعى، وأن الذي يمثل رأس هذه الأفعى على الحقيقة هو العناصر اليهودية التي كانت لا تزال قابعة في أوكارها بخيبر.
لذا فإن نجاح القيادة الإسلامية في المدينة في صد العدوان الوثنى الرهيب أمام الخندق، وتمكنها من إبادة عناصر الغدر والخيانة من يهود بني قريظة إنما هو فقط بمثابة قطع ذنب الأفعى لا غير.
ذلك أن كل ما لاقاه المسلمون على أيدى الأحزاب الوثنية وعصابات
(١) وفعلا حاول يهود خيبر السعي لدى أعراب نجد لشن حرب أحزاب جديدة ضد المسلمين حينما قرروا إيفاد بعثة برئاسة رأسهم وسيدهم (أسير بن زارم) إلى ديار غطفان لإقناعهم بالمشاركة في غزو جديد ضد المسلمين في المدينة، كما فصلناه في كتابنا الخامس "صلح الحديبية".