غير أن خالد بن الوليد لما توّلى القيادة بعد الهزيمة، أعاد للجيش الإِسلامي تنظيمه، ثم جعله ينزل بالرومان هزيمة منكرة لم يهزموا مثلها. ثم أنقذ الجيش الإِسلامي الصغير، فانسحب به (في غمرة الاضطراب الذي ساد صفوف الجيش الروماني). . انسحب به على تعبئة تامة وانتظام كامل، فاستحق بذلك أعلى وسام يمنحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا من أصحابه (سيف الله).
لأن خالدًا بتوفيق الله، ثم بمهارته العسكرية، وشجاعته النادرة، وصلابة إرادته، تمكن من أن يسحب رؤوس ثلاثة آلاف مقاتل مسلم من تحت مطرقة الموت التي أخذ مائتا ألف مقاتل رومانى وحليف عربي يهوون بها على رؤوس أفراد ذلك الجيش الإِسلامي الصغير الذي أنهكته الحرب، وفقد قادته الثلاثة وسقط لواؤه على الأرض فتمزق شمل وحداته تمزقًا مريعًا.
- ١١ -
إن معركة مؤتة - على ما أصاب المسلمين فيها من كرب وبلاء. وعلى ما تعرضوا له فيها من أخطار، وأقدموا عليه من مجازفة بلغت في عرف هذا العصر حد الانتحار، تحمل أروع صور الصمود والتضحية والثبات، وفيها الدروس كل الدروس عن معاني العقيدة الحقيقية الصحيحة، ومعطياتها السخية، ودفقاتها الزاخرة بروافد الإِيمان التي تجعل من حاملها إعصارًا يزلزل الشوامخ، وجبلًا يهزأ بأعتى. الأعاصير.
فالتمسك بالعقيدة - عقيدة الإِسلام - وعلى ذلك المستوى الذي بلغه أبطال مؤتة، هو الذي به يستطيع المسلمون (عربًا كانوا أم غير عرب) استعادة الحقوق المسلوبة، والحفاظ على الكرامات المعرضة للهدر والضياع.
فكم هو جدير بأصحاب الأيديولوجيات المستوردة إلى الشرق لجعلها منطلقًا لاسترجاع ثالث الحرمين وما ضاع من حقوق المسلمين في فلسطين