لقد كان أخشى ما يخشاه المسلمون - بعد أن نقضت قريش صبح الحديبية - أن تعقد الأخيرة مع (هوازن) حلفا عسكريا تواجهان به القبيلتان مجتمعتين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في معركة حاسمة .. ولو حدث ذلك للقى المسلمون متاعب وأخطار .. الله وحده يعلم بنتائجها. لأن القبيلتين تستطيعان حشد أكثر من ثلاثين ألف مقاتل. بينما المسلمون لم يستطعوا (رغم التجنيد الإِجبارى) حشد أكثر من عشرة آلاف محارب.
إن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كقائد عسكرى مسئول قد قدر قوة كل من قريش وهوازن العسكرية وحسب حسابهما، وإن الصدام معهما مجتمعتين. أو كل واحدة على انفراد ليس بالأمر الهين.
وكان من أسس أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي هي أخلاق الإِسلام في الحرب، أن يحسم أي نزاع مسلح بأقل خسارة ممكنة إلّا أنه لا يتردد في استخدام أقصى أساليب الفتك بالعدو في ساحة القتال إذا ما اضطر إلى ذلك كما حدث في بدر وحنين.
- ٥ -
ولعل من أنجح سياساته الحربية، وهو يضع خطة الغزو للسيطرة على مكة، أنه انتهج خطة الكتمان الشديد، فرغم أنه قد أعلن النفير العام وحشد عشرة آلاف من أصحابه فإنه كتم - حتى عن قادة الفرق فيهم - حقيقة الوجهة التي يقصد التحرك بهم نحوها، فلم يعرف جيشه (قادة وجنودًا) الجهة التي يقصدونها إلَّا بعد أن وصلوا على أربعة أميال من مكة المكرمة. كما أقفل الطرق المؤدية من المدينة إلى مكة والجنوب كله ومنع السفر كليا فأقام حراسًا يمنعون الناس من السفر ويعتقلون من يشكون في أمره. وكانت خطة الكتمان وعدم الإفصاح عن الجهة التي يريدها - صلى الله عليه وسلم - تستهدف (والله أعلم) أمرين اثنين.