الله، إن أبي قتل وعليه دين، مائتا مثقال ذهب، فإن رأيت أن تقضيه من حليّ الرّبة فعلت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فقال قارب بن الأسود: وعن الأسود بن مسعود أبي، فإنه قد ترك دينًا مثل دين عروة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الأسود مات وهو كافر. فقال قارب. تصل به قرابة، إنما الدين عليَّ وأنا مطلوب به. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذًا أفعل. فقضى عن عروة والأسود دينهما من مال الطاغية.
وخرج أبو سفيان والمغيرة وأصحابهما لهدم الربة فلما دنوا من الطائف قال (المغيرة) لأبي سفيان: تقدم فادخل لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال أبو سفيان: بل تقدم أنت على قومك، فتقدم المغيرة في بضعة عشر رجلًا يهدمون الربة، فلما نزلوا بالطائف نزلوا عشاء فباتوا، ثم غدوا على الربة يهدمونها، فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: لأضحكنكم اليوم من ثقيف. فأخذ العول واستوى على رأس الربة ومعه العول؛ وقام قومه بنو معتّب دونه، معهم السلاح مخافة أن يصاب كما فعل بعمه عروة بن مسعود. وجاء أبو سفيان وهو على ذلك فقال: كلا، زعمت تقدمنى أنت إلى الطاغية، تراني لو قمت أهدمها كانت بنو معتب تقوم دونى؟ قال المغيرة: إن القوم قد واضعوهم هذا قبل أن تقدم، فأحبوا الأمن على الخوف.
قال الواقدي: وقد خرج نساء ثقيف حسرًا (١) يبكين على الطاغية، والعبيد، والصبيان، والرجال منكشفون، والأبكار خرجن. فلما ضرب المغيرة ضربة بالمعول سقط مغشيًا عليه يرتكض، فصاح أهل الطائف صيحة واحدة: كلا، زعمتم أن الربة لا تمتنع، بلى والله لتمتنعن، وأقام المغيرة مليًا على حاله تلك، ثم استوى جالسًا فقال: يا معشر ثقيف كانت العرب تقول: ما من حي من أحياء العرب أعقل من ثقيف، وما من حي من أحياء العرب أحمق منكم، ويحكم، وما اللات والعزى، وما الربة؟ حجر مثل هذا الحجر، لا يدرى من يعبده ومن لم يعبده، ويحكم، أتسمع اللات أو تبصر أو تنفع أو تضر، ثم هدمها وهدم الناس معه، فجعل السادن يقول: - وكانت سدنة اللات من ثقيف بنو العجلان بن عتاب بن مالك، وصاحبها
(١) حسَّرًا: أي مكشوفات الوجوه، قاله أبو ذر في شرحه.