تضرّسه الحرب وتشتد عليه وطأة القتال إلى الحد الذي لا خيار له معه إلا اتباع أحد إما الموت أو الفرار، فإنه -دونما شك- سيفضِّل الفرار.
أما باعث السلب والنهب فإنه أضعف من باعث العنصرية، لأن المحارب من أجل السلب والنهب، فإنما يخوض الحرب من أجل التمتع (حيًّا) بما يسلب وينهب، ولذلك فإنه عندما يترجح لديه أن الموت سيكون مصيره إذا ما استمر في القتال، سيركن إلى الفرار دونما شك، مهما كان شجاعًا وبارعًا في القتال وهذا هو الذي حدث لهوازن.
ج- الغرور والاستبداد:
هاتان الصفتان، هما صفتا قائد هوازن مالك بن عوف، فبالرغم من أن هذا السيد الشاب ذكي شجاع ألمعى، فإنه كان مغرورًا مستبدًا، والغرور والاستبداد في قادة الجيوش من أخطر ما يتهدد هذه الجيوش ويسبب لها النكبات كما سجل التاريخ ذلك عبر القرون.
أما استبداد مالك فقد كان جليًّا (كما رأينا) في رفضه نصيحة المحارب الخبير المعمّر دريد بن الصمة، حينما انتقده لإجباره الجند على اصطحاب أهاليهم وأموالهم معهم إلى الميدان، ونصحه بأن يعيد النساء والأطفال والأموال إلى رؤوس الجبال لتكون في مأمن إذا ما كانت الهزيمة على هوازن، فرفض هذه النصيحة بعجرفة، وعندما استصوب وجوه وقادة عشائر هوازن نصيحة دريد بن الصمة ومالوا إلى الأخذ بها، هددهم قائدهم بأنه سينتحر إذا لم يسيروا حسب خطته وتبعًا لمزاجه، فأذعنوا له، (رغم الخطأ القاتل في تصرفه)، لأنه كان محبوبًا لديهم، ولأنهم يخشون الانقسام والمعركة على الأبواب.
أما غروره فقد ذكر المؤرخون أنه كان متكبِّرًا لا يسير إلا مُسبِل الإِزار، وقد تجلى غروره في إعلانه الاستهانة بقوات المسلمين، هذه الاستهانة التي تجلت في قوله (ضمن كلمة ألقاها في جنده قبيل المعركة): (إن محمدًا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قومًا أغمارًا لا علم لهم بالحرب