وحرص الرومان على حماية حدودهم من أي غزو قد تتعرض له الشام من قبل المسلمين.
وهذه حقيقة أثبتها التاريخ، فالناظر في كتب السير والمغازى وكتب التاريخ الأخرى يجد أن قبائل الشمال المتنصرة هؤلاء (وخاصة قضاعة) كانوا أشبه بحرس يحرسون حدود الشام الجنوبية لحساب الإِمبراطورية البيزنطية، كما يحاولون الصمود والثبات في بواديهم بالشمال من الجزيرة في وجه أي تحرك تقوم به القوات الإِسلامية.
فكانت (دائما) فصائل الخيالة والهجانة من هذه القبائل تقوم بأعمال الدورية في شمال الجزيرة، وكثيرًا مما تصطدم هذه الدوريات بطلائع القوات الإِسلامية المسلحة، وحتى العزل من الدعاة المسلمين تفتك بهم هذه القبائل المتوحشة، فقد رأينا (كما هو مفصل في كتابنا السابع غزوة مؤتة) كيف أعدم هؤلاء العرب المتنصرة في ذات الطلح بالشمال خمسة عشر مدنيًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يدعون إلى الإِسلام بالحسنى.
كذلك كانت قبائل الشمال (وخاصة منطقة تبوك وكل الركن الشمالي الغربي) أشبه بمرتزقة في جيش الإمبراطورية البيزنطية، رغم ما هم فيه من حرية واستقلال، إلا أنهم (رغم كونهم مستقلين في بواديهم داخل الجزيرة العربية) كانوا دائمًا رأس الحربة في أية قوات رومانية مسلحة تعمل ضد المسلمين، وكان هؤلاء العرب (وخاصة قضاعة) قوة مرهوبة ذات عدد غامر، تستفيد منهم الإِمبراطورية البيزنطية، ولقد رأينا كما هو مفصل في كتابنا السابع (غزوة مؤتة) كيف كانت هذه القبائل من الحضارمة، يشكلون نصف الجيش الروماني الذي قاده أخو هرقل واصطدم في (مؤتة) بمنطقة الكرك بالجيش الإِسلام الذي كان أول جيش يجتاز حدود الجزيرة إلى الشام في تاريخ الإِسلام ورأينا كيف قتل في معركة مؤتة إلى جانب الرومان قائد هؤلاء الحضارمة المتنصرة واسمه مالك رافلة.
بل لقد كان القضاعيون (هؤلاء الذين كان منطلق هجرتهم الشجر بحضرموت). تنتسب إليهم القبيلة العظيمة ذات التاريخ الحافل في الجاهلية والإِسلام (قبيلة جهينة) التي تمتد ديارها من ساحل خليج العقبة على