شريط البحر الأحمر حتى ينبع، إلا أن جهينة هذه لم تكن على صلة بالرومان أو على ولاء لهم في أية فترة من فترات تاريخها، ولهذا كانت جهينة من أسرع القبائل استجابة لدعوة الإِسلام، وكانت منهم كتيبة مؤلفة من حوالي أربعمائة مقاتل اشتركت تحت قيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في فتح مكة.
وذلك عكس إخوانهم من قبائل قضاعة في الشمال مثل بهراء وعذرة وعاملة وسليح، الذين ظلوا بمنطقة تبوك وما جاورها من مناطق حدود الشام على عداء شديد للإِسلام والسلمين، يشاطرهم هذا العداء الشديد المستحكم أبناء عمومتهم الحضارمة الآخرون من كندة الذين منهم ملوك دومة الجندل ذات القلاع المشهورة، والتي - لعناد أهلها في الكفر ومعاداة المسلمين - حاربهم خالد بن الوليد مرتين، مرة عندما أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أربعمائة فارس من تبوك ليشن الغارة على هؤلاء الكنديين الحضارمة من كلب، ومرة في خلافة الصديق، عندما جاءهم خالد من الحيرة في العراق واقتحم عليهم قلاعهم في دومة الجندل بمساندة عياض بن غنم الفهرى الذي عجز بمفرده عن إخضاع أولئك الكنديين لأنهم كانوا ذوي عدد مسلح غفير وكانوا يعتصمون بحصون مبنية بالحجارة.
ورغم الحملات التي كان المسلمون يشنونها ضد قبائل الشمال النصرانية هذه من كندة وقضاعة، فقد ظلوا قوة ذات خطر على الإِسلام والمسلمين، لأنهم كانوا إذا ما ضايقتهم أية حملة عسكرية إسلامية ورأوا أن ليس من مصلحتهم الاشتباك معها، يلجأون إلى جنوب الشام حيث يتلقاهم حلفاؤهم وشركاؤهم في النصرانية، الرومان بالترحاب وكانوا إذا ما عادت القوات الإِسلامية إلى المدينة عاد هؤلاء القضاعيون النصارى إلى بواديهم وديارهم في مناطق الحدود الشمالية، كما حدث حين غزاهم عمرو بن العاص ومعه صفوة ممتازة من كبار المهاجرين والأنصار وذلك في غزوة ذات السلاسل التي كانت موجهة بصفة خاصة إلى قضاعة الذين هم أخوال عمرو نفسه.
إذن فهناك جيوب مقاومة كبيرة ضد الإِسلام من بطون الحضارمة من قضَاعة وكندة الذين تقع ديارهم في الشريط الشمالي من الجزيرة، والممتدة