من حدود العراق شرقًا، حتى بحر القلزم (البحر الأحمر) غربًا، وهذه الطون التي أكثرها يدين بالنصرانية - إذا ما اتحدث كلمتها ستشكل خطرًا كبيرًا على الوجود الإسلامي، لأنها (إذا ما اتحدت) تستطع حشد ما لا يقل عن مائة ألف مقاتل، وهذا العدد إذا ما غفلت عنه القيادة الإِسلامية العليا في المدينة وسمحت له بالتجمع والتكتل والتلاحم داخل الجزيرة العربية، فستجد هذه القيادة نفسها أمام مشكلة عسكرية قد تكون أخطر من مشكلة الأحزاب التي واجهتها في السنة الثالثة للهجرة، ومن مشكلة التجمع الهوازني الذي عانت من أخطاره الشديدة الأهوال في ملحفة حنين.
يضاف إلى خطورة جيوب المقاومة المتمثلة في هذه البطون القضاعية الكندية المنتشرة في الشريط الشمالي من الجزيرة. يضاف إلى هذه الخطورة خطر آخر كبير وهو وجود الرومان في الشام الذين - منذ عصور قديمة - كانوا ولا يزالون على صلات وثيقة بهؤلاء النصارى من كندة وقضاعة، وذلك بحكم اعتناق الجميع لدين هو واحد في الأصل، وبحكم ارتباط هؤلاء الجنوبيين بتاج الإمبراطورية البيزنطية التي على رأسها ملك (وهو هرقل) الذي لا تزال خمرة انتصاره على الفرس تلعب برأسه، حيث عاد لتوه من معارك سجل فيها أروع الانتصارات على الإِمبراطورية الفارسية التي كانت - قبل أن يهزمها هرقل - أعظم إمبراطورية في العالم. فالرومان قد لا يغامرون بزج فيالقهم الثقيلة في صحراء الجزيرة العربية كي يقضوا على كيان الإِسلام الذي أصبحوا يتخوفون من انتشاره عبر الحدود إلى الشام وخاصة بعد أن تلقى ملكهم هرقل كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يدعوه فيه وشعبه إلى الإِسلام، وأدرك الملك القسيس هرقل - بما عنده من علم بالإِنجيل - أن محمدًا هو النبي الذي بشر به عيسى في الإنجيل .. الرومان هؤلاء قد لا يغامرون بزج فيالقهم في صحراء الجزيرة العربية لقطع أو على الأقل لإيقاف تيار الإِسلام، لأنهم يخشون حروب الصحراء أشد الخشية، لأن هذه الصحراء تنجح فيها (فقط) حرب الصاعقة التي لا يجيدها الجندى الروماني بيما يجيدها الجندى المسلم البدوى، وذلك لثقل سلاح ومعدات الأول وعدم مباشرته في حياته العسكرية