للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبيّ يرون في قرارة أنفسهم الخبيثة أن مجئ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب ودخول أهلها في الإسلام، قد كان بمثابة انقلاب أبيض "إن صح هذا التعبير" قلب الأوضاع الجاهلية التي كانت قاب قوسين أو أدنى كى يصبح فيها رأس النفاق ملكًا متوجا على يثرب، حيث جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وقوم ابن أبَيّ يرصعون له التاج بالأحجار الكريمة ليضعوه على رأسه (١).

لذا فرأس النفاق والعناصر الموالية له يرون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنشره الإسلام في يثرب قد سلب زعيهم عبد الله بن أبيّ الملك الذي كانوا يهيئونه للتربع على عرشه، من هنا جاء إيغال هؤلاء المنافقين في الكيد للإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - بهدف تفتيت وحدة المسلمين وتشتيت شملهم، عسى أن يقوم على أنقاض وحدتهم -التي أقامها الإسلام- الملك الذي يطمع فيه عبد الله بن أبيّ.

ولقد كان المنافقون -منذ أن تشرفت المدينة بمقدم الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وهم يعملون ضد الوضع الجديد الذي أقامه الإسلام، فيحيكون الدسائس والمؤامرات ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل مناسبة تسنح لهم، ولكنهم في غزوة تبوك وسعوا من أنشاطاتهم التخريبية وقاموا ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأعمال خطيرة جدًّا بلغت حد محاولة اغتياله، وهي أعمال لم يجزؤ المنافقون على القيام بمثلها في الماضي.

فمن أعمالهم التخريبية التشكيكية، محاولتهم إشاعة الريب بين عناصر الجيش في صدق نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد حدث أن عسكر الجيش النبوي بمنطقة ليس بها ماء وهو في طريقه إلى تبوك، فتعرض الجيش "وهو ثلاثون ألفًا" لعطش شديد، فأبلغوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطورة الحالة، فتوجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه بالدعاء فأكرمه بمعجزة، حيث أنزل الله تعالى الغيث فارتوى الجيش بالماء وسقوا خيلهم


(١) انظر قصة عبد الله بن أبي ومحاولة تتويجه في كتابنا الأول (غزوة بدر الكبرى).

<<  <  ج: ص:  >  >>