وقد كشفهم القرآن الكريم للرسول - صلى الله عليه وسلم - في آيات أُنزلت عليه كما تقدم حينما فاهوا بقبيح القول من السخرية والاستهزاء بالله وبرسوله وبأصحابه، ولم ينكروا قبيح صنعهم حينما استجوبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكنهم اعتذروا بأن ما بدر منهم إنما كان باعثه الخوض واللعب فحسب ولكن القرآن أدانهم بالكفر فقال:{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} الآية، وقد تاب البعض منهم وبقى البعض على كفره الباطنى.
ومع إدانة القرآن لهم بالكفر والإلحاد، فإن الرسول الحكيم - صلى الله عليه وسلم - لم يطردهم من الجيش ولم يتخذ ضدهم أيّ إجراء تأديبى، رغم أنه -حسب تعبيرات هذا العصر- في حالة استنفار وطوارئ، واستمرار بقائهم أحرارًا داخل جيش كبير يتحرك للحرب قد يسبب متاعب لهذا الجيش ولقائده الأعلى على وجه الخصوص.
وفعلًا لقد استمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأبرار من أفراد هذا الجيش يعانون الشيء الكثير من المتاعب من هؤلاء المنافقين فقد كانت هذه العناصر الخبيثة التي تنطوى على الكفر وتتظاهر بالإسلام، تغلى مراجل الحقد والحسد في قلوبها المريضة، فقد أقَّضَ مضاجعها واعتصر قلوبها أن تصبح للمسلمين وحدة بهذا التلاحم الصادق الذي لم تشهد جزيرة العرب بل والعالم كله في تاريخه لها مثيلًا، وساء عناصر النفاق الخبيثة هذه أن يكون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي خرج من مسقط رأسه مستخفيًا خائفًا وحيدًا بعد أن أهدر أهله وعشيرته دمه، وليس معه سوى صاحبه الوفى الصديق الأكبر .. ساء هذه العناصر المنافقة أن تصبح هذه القوة العسكرية الضخمة "ثلاثون ألف مقاتل" تأتمر "في طاعة لا مثيل لها" بأمر محمد - صلى الله عليه وسلم - .. هذه القوة التي كانت الأكثرية الساحقة بينها "الأوس والخزرج" مهيئة وفي طريق الإعداد لأن تكون رعية لرجل من هؤلاء المنافقين الذي كان أصحابه "قبل مجئ - صلى الله عليه وسلم - إِلي المدينة بقليل" يضعون الترتيبات لتتويجه ملكًا على يثرب وهو عبد الله بن أَبِي سلول سيد الخزرج.