للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدث يونس بن محمد، عن يعقوب بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أنه قال له: هل كان الناس يعرفون أهل النفاق فيهم؟ فقال: نعم والله، إن كان الرجل ليعرفه من أبيه وأخيه وبنى عمه. سمعت جدك قتادة بن النعمان يقول: تبعنا في دارنا قومًا منافقين. ثم من بعد سمعت زيد بن ثابت يقول في بني النجار: من لا بارك الله فيه، فيقال: من يا أبا سعيد؟ فيقول: سعد بن زرارة "وهو غير أسعد بن زرارة الصحابي الفاضل" وقيس بن مهر. ثم يقول زيد: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فلما كان من أمر الماء ما كان دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، فقلنا: يا ويحك، أبعد هذا شيء؟ فقال: سحابة مارة، وهو والله رجل لك به قرابة يا محمود بن لبيد، قال محمود! قد عرفته (١).

وطوال تحرك الجيش النبوي إلى تبوك استمر المنافقون في محاولاتهم الخبيثة لزعزعة ثقة المسلمين في صدق نبيهم، فلا تأتى مناسبة يرون أنها ملائمة لاستخدامها لتحقيق أهدافهم التشكيكية إلا واغتنموها، غير مبالين باستياء الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - لتصرفاتهم المشينة المتكررة، ومستغلين سعة حلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصبره عليهم.

فقد صدف وأن حدثت حادثة ازداد لها المؤمنون الصادقون إيمانًا، وزاد لها توغل هؤلاء المشبوهين المنافقين إيغالًا في الكفر وبث الإرجاف والتشكيك في نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

فقد روى المؤرخون أنه عندما ارتحل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد حادثة إكرام الله له بإنزال الغيث، نزل منزلًا، وبات فلما أصبح افتقدت ناقته القَصْوى، فخرج بعض أصحابه يبحثون عنها، فاستغل المشبوهون في الجيش هذا الحادث، وحاولوا أن يجعلوا منه منطلقًا لتسريب الشكوك والريب إلى النفوس في صدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد ذكر عمارة بن حزم "وهو من أهل بدر استشهد يوم اليمامة" أن رأسًا من رؤوس النفاق وهو زيد بن اللصيت أحد بني قينقاع: اليهود، فتظاهر


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>