وفي يوم بدر تسابق المسلمون إلى الشهادة، وكان كل واحد منهم يتمنى أن يموت قبل صاحبه، وكان كل واحد من المشركين يتمنى أن يموت صاحبه قبله، وكان الشهيد يردد وهو يحتضر:" {وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
وبعد معركة بدر، استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مصير الأسرى، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أرى أن تمكني من فلان - قريب عمر - فأضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديادهم وأئمتهم وقادتهم".
وكان فداء أسرى بدر أربعة آلاف إلى ما دون ذلك، فمن لم يكن عنده شيء كان فداؤه أن يعلم غلمان الأنصار الكتابة.
هكذا كان جنود الرسول القائد عليه الصلاة والسلام يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، ويؤثرون عقيدتهم على آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموالهم، بل يؤثرون عقيدتهم على أنفسهم، فيتسابقون إلى الشهادة، فيقول أحدهم للآخر: "هنيًا لك الشهادة"، وتقول الأُمهات والأخوات والزوجات حين يعلمن باستشهاد ذويهن: "الحمد لله الذي أكرمهم بالشهادة".
وهؤلاء قادة وجنودًا، يبنون للمستقبل، فيعتبرون العلم فريضة لا نافلة، ويعتبرونه عبادة لا تجارة، ويعتبرونه غاية لا وسيلة .. ! .
كانوا إخوة في الله يحب أحدهم لأخيه ما يحبه لنفسه، وكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وكانوا كالجسد السليم المعافى إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي! ...
هؤلاء قادة وجنودًا، كانوا يبنون ولا يهدمون ويعمرون ولا يخربون ويفعلون ولا يقولون ..