للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلسفته)، إن عليه أن يفهم ويتسامح. إننا نستطيع أن نفهم الإمبراطور فرانسيس الثاني الذي جرّده نابليون من نصف دولته، وطرده من عاصمته الحبيبة إلى نفسه، ومع هذا فقد عاد إليها وظل محبوباً من شعبه، رغم أنه سُلب وتعرّض للإهانة، ونستطيع أن نفهم الكاثوليكي الطيب وقد صدمه أن يُعامل البابا معاملةً سيئة، ومع هذا فقد طلب من الحلفاء في وقت لاحق تيسير ظروف سجن نابليون الذي اضطهد البابا. ونستطيع أن نفهم ممانعة القيصر إسكندر في التضحية بتجارة بلاده بالتزامه بالحصار القاري (المضاد) الذي فرضه نابليون، ونستطيع أن نفهم قرار إنجلترا بالدفاع عن توازن القوى، ذلك التوازن الذي تعتمد عليه لضمان أمنها وحماية نفسها من سيطرة القوى الخارجية عليها.

ونستطيع أن نفهم دفاع فرنسا عن الرجل الذي خلص حكومتها وقيمها من الفوضى القاتلة، والذي وسّع حدودها بانتصاراته العبقرية وحقق لها عظمة غير مسبوقة. لا. إن نابليون، هذا الرجل الرائع ليس مجرد غول قاتل مخرّب. حقيقة إن رغبته في السلطة وتوقه إليها، واتساع مدى حُلمه الذي لا يقاوم - كل أولئك قاده إلى أفعاله ومصيره، لقد كان أوتوقراطيا (مؤمنا بحكم الفرد) واثقا من أنه يعرف أفضل مما يعرف مواطنوه، ما هو خير لفرنسا وأوربا. لكنه كان أيضاً رجلا كريما، سريع العفو، حنونا يخفي حنانه، تردّد عدة سنوات قبل أن يطلّق جوزيفين، تلك المرأة التي تُقَاد للإثم بسهولة. ويمكننا أن نقول من أجله أنه هو أيضاً قد عانى وكفّر عن ذنوبه، لقد عانى من الأمراض والأطباء وعانى عند تراجعه من روسيا (انسحابه) وعانى في سانت هيلينا التي كان فيها ميتاً حياً.

إنه يبقى الشخصية البارزة المميزة في عصره، وبقي منه شيء نبيل ظل باقياً رغم حبه الأناني للسلطة ورغم تعرضه للهبوط بين الحين والحين من سؤدد العظمة إلى الهزيمة. لقد ظنّ نابليون أننا لن نرى مثيلاً له مرة أخرى لمدة خمسمائة عام. إننا لا نتمنّى هذا، بل إنه لأمر طيب (طيب بما فيه الكفاية) أن نتأمل ونعاني - مرة كل ألف عام - في سلطان العقل البشري، مدى قوته، ومدى قصوره.