كانت أخلاقه مثالاً من أخلاق عصره الذي أنجب كثيراً من الرجال الذين كانوا أذكياء لا أخلاق لهم، قادرين لا ضمير لهم، شجعاناً مجردين من الشرف. لقد كان صورة مصغرة من أغسطس في بلاد اليهود: فعل فيها ما فعله أغسطس في روما فاستبدل بفوضى الحرية نظاماً دكتاتورياً، وجمّل عاصمته بالمباني والتماثيل اليونانية الطراز، ووسّع رقعة مملكته، ونشر فيها الرخاء، والكسبة بالختل والسياسة أكثر مما كسبه من قوة السلاح، وتزوج كثيراً من النساء، وقضت عليه خيانة أبنائه، واستمتع بكل ما يتيحه له الحظ المواتي عدا السعادة. ويصفه يوسفوس بأنه رجل قوي البأس، عظيم المهارة، بارع في رمي السهام والحراب، صيّاد عظيم، اقتنص في يوم واحد أربعين وحشاً. وكان "مُحارباً لا يستطيع إنسان أن يقف في وجهه"(٨). وما من شك في أنه أضاف إلى هذه الصفات شخصية جذابة، فقد كان في وسعه على الدوام أن يتغلّب بقوة الحجة أو بكثرة الرشا على أعدائه الذين حاولوا أن يشوا به عند أنطونيوس أو كليوبطرة، أو أكتافيان. وقد خرج من كل الأزمات التي حدثت بينه وبين الحكومة الثلاثية في روما وهو أقوى سلطاناً وأوسع مُلكاً مما كان، وسرعان ما اقتنع أغسطس بأن له "روحاً أعظم من أن تسعها أملاكه الصغيرة"، فأعاد إلى مملكته مدائن فلسطين الهسمونية، وتمنى لو أن هيرود قد حكم سوريا ومصر بالإضافة إلى أملاكه (٩). ولقد كان "الإديومي Idumean" رجلاً كريماً خلا قلبه من الرحمة، أفاد على رعاياه من النعم ما لا يعادله إلا ما أصابهم به من الأذى.
ولقد كان من العوامل التي شكّلت أخلاقه، ما كان يُضمره له الذين غلبهم